للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأسباب والقوى وإنكارهم فعل العبد وقدرته، وأن يكون له تأثير في الفعل البتة فلم يهتدوا لقول القدرية، بل ازدادوا ضلالاً على ضلالهم وجموداً على ما هم عليه من الباطل١.

وهداية التوفيق والإلهام وخلق المشيئة المستلزمة للفعل تتضمن أمرين:

أحدها ـ فعل ـ الرب تعالى ـ وهو الهدى:

الثاني: فعل العبد وهو الاهتداء وهو أثر فعل الباري ـ سبحانه ـ فهو الهادي والعبد هو المهتدي.

قال تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} ٢ وقد أمر ـ سبحانه ـ عباده جميعهم بأن يسألوه هدايتهم الصراط المستقيم في كل يوم وليلة في الصلوات الخمس المفروضة، وذلك يتضمن الهداية إلى الصراط والهداية فيه، كما أن الضلال نوعان: ضلال عن الصراط فلا يهتدي إليه، وضلال فيه، فالأول ضلال عن معرفته، والثاني ضلال عن تفاصيله، أو بعضها٣ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "والعبد مضطر دائماً إلى أن يهديه الله الصراط المستقيم فهو مضطر إلى مقصود هذا الدعاء فإنه لا نجاة من العذاب ولا وصول إلى السعادة إلا بهذه الهداية فمن فاته فهو إما من المغضوب عليهم، وإما من الضالين وهذا الهدى لا يحصل إلا بهدي الله، وهذه الآية٤ مما يبين فساد مذهب القدرية"٥.

وهذه المرتبة دل عليها الكثير من آيات القرآن كقوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ٦ وقوله تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} ٧ فالآيتان دلتا على أن هداية الإلهام والتوفيق وخلق الهداية في القلب ليس إليه صلى الله عليه وسلم ولا إلى أحد غيره، وإنما ذلك لله وحده.


١- الملل والنحل ١/٨٥ ـ ٨٦ شفاء العليل ص٨٠، لوامع الأنوار ١/٩٠ ـ ٩١.
٢- سورة الأعراف آية:١٧٨.
٣- شفاء العليل ص٨١.
٤- يشير إلى قوله تعالى في سورة الفاتحة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} .
٥- مجموع الفتاوى ١٤/٣٧، وانظر دقائق التفسير ١/٢٠٩، شفاء العليل ص٨١.
٦- سورة القصص آية:٥٦.
٧- سورة النحل آية:٣٧.

<<  <   >  >>