للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما تأويل القدرية: بأن المراد من الهدى والضلال هو: "تسمية الله العبد مهتدياً وضالاً" فهذا تأويل فاسد أنكره عليهم سلف الأمة وأئمتها في كل مكان، وفي كل عصر، وبينوا أن قولهم هذا ليس له أساس، وإنما بنوه على تُرَّهاتهم الفاسدة وتأويلاتهم الباطلة. لا يصح حمل آيات الهدى والضلال على هذا المعنى وتأويلهم ذلك باطل من وجوه:

الوجه الأول: أننا إذا تأملنا آيات الهدى والضلال وجدناها لا تحتمل تأويلهم ذلك إذ أنه ليس في أي لغة من اللغات فضلاً عن اللغة الفصحى التي نزل بها القرآن أن هداه بمعنى سماه مهتدياً وأضله سماه ضالاً، ولا يصح أن يقال: علَّمه إذا سماه عالماً، وفهمه إذا سماه فهماً، وكيف يصح هذا في مثل قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ١؟ فهل فهم أحد غير القدرية المحرفة للقرآن من هذا "ليس عليك تسميتهم ولكن الله يسمي من يشاء مهتدياً"؟ وهل فهم أحد غيرهم {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} إنك لا تهدي من أحببت لا تسميه مهتدياً ولكن الله يسميه بهذا الإسم ـ سبحانك ـ هذا بهتان عظيم وقوله على الشارع بغير علم.

الوجه الثاني: عليهم أن يبينوا صلاحية اللفظ للمعنى الذي ذكروه أولاً: واستعمال المتكلم له في ذلك المعنى، في أكثر المواضع حتى إذا استعمله فيما يحتمل غيره حمل على ما عهد منه استعماله فيه.

الوجه الثالث: "عليهم أن يقيموا دليلاً سالماً عن المعارض على الموجب لصرف اللفظ عن ظاهره وحقيقته إلى مجازه واستعارته وإلا كان ذلك منهم مجرد دعوى لا تقبل منهم"٢.

وتأول بعضهم نصوص الهداية على أن المراد بها هداية البيان والتعريف لا خلق الهدى في القلب، فإنه ـ سبحانه ـ لا يقدر على ذلك عند هذه الطائفة الزائفة"٣.

قال محمد بن أحمد السفاريني: "تنبيه المشهور عند المعتزلة ومن مذهبهم أن


١- سورة البقرة آية:٢٧٢.
٢- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر ص٨٢ ـ ٨٣.
٣- المصدر السابق ص٨٣.

<<  <   >  >>