للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الهداية هي الدلالة الموصلة إلى المطلوب فإن لم تكن موصلة إلى المطلوب فليست بهداية عندهم"١.

ويرد عليهم في هذا التأويل: أن الله تعالى قد أخبر أنه قسم الهداية إلى قسمين:

قسم: لا يقدر عليه إلا هو ـ سبحانه وتعالى ـ.

وقسم: مقدور للعبد قال تعالى في القسم المقدور لعبده {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ٢ وقال تعالى في القسم غير المقدور للعبد {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ٣. وقال تعالى: {فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} ٤ فحمل هذا على هداية الدعوة والبيان لا يصح وغير سائغ فإن هذا يهدي وإن أضله الله بالدعوة والبيان وكذا قوله تعالى: {وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ} ٥ فهل يجوز حمله على معنى فمن يدعوه إلى الهدى ويبين له ما تقوم به حجة الله عليه، وكيف يصنع هؤلاء القدرية بالنصوص التي فيها أنه ـ سبحانه ـ هو الذي أضلهم؟ أيجوز لهم حملها على أنه دعاهم إلى الضلال؟ لا شك أنهم يقولون ليس هذا معناه ولكنهم لما وجدوا أنفسهم لا يستقيم لهم دليل على دعواهم جنحوا إلى تحريفات أخرى.

فقالوا: إنما معناها ألفاهم، ووجدهم، كذلك، أو أعلم ملائكته ورسله بضلالهم، أو جعله على قلوبهم علامة يعرف الملائكة بها أنهم ضلال" ويرد على هذه التحريفات من وجوه:

الوجه الأول: أن اللغة لا تحتمل ذلك، وأن النصوص إذا تأملها المتأمل وجدها أبعد شيء من هذا المعنى.

الوجه الثاني: أما قولهم إنه علمهم بعلامة يعرفهم بها الملائكة فهذا من جنايتهم على كتاب الله تعالى ففي أي لغة وفي أي لسان يدل قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} على معنى إنك لا تعلمه بعلامة ولكن الله هو الذي يعلمه بها؟


١- لوامع الأنوار ١/٣٣٥.
٢- سورة الشورى آية:٥٢.
٣- سورة القصص آية:٥٦.
٤- سورة النحل آية:٣٧.
٥- سورة الجاثية آية:٢٣.

<<  <   >  >>