للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي أي لغة يفهم من قول الداعي {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ١ علِّمنا بعلامة يعرف الملائكة بها أننا مهتدون؟ وفي أي لغة يكون معنى قوله: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} ٢ علمناها بعلامة أو وجدناها كذلك؟

الوجه الثالث: يقال لهم في أي لسان وفي أي لغة؟ وجدتم هديت الرجل إذا وجدته مهتدياً وختم الله على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة وجده كذلك، فهل هذا إلا من الإفتراء المحض ومن الجناية على القرآن واللغة لم يجنها غيركم، ولما يدركوا أن تأويلاتهم الفاسدة لم تساعدهم على ما يريدون وتضمحل أمام مناقشة أهل الحق لها يجنحون إلى مراوغة أخرى فيقولون: نحن لم نقل هذا إلا في نحو أضله الله أي: وجده ضالاً كما يقال: أحمدت الرجل، وأبخلته وأجننته إذا وجدته كذلك، أو نسبته إليه.

ويرد على تحريفهم هذا بأنه لم يرد إلا في ألفاظ معدودة نادرة وإلا فوضع هذا البناء على أنك فعلت ذلك به ولا سيما إذا كانت الهمزة للتعدية من الثلاثي كقام وأقمته.... لم نجد فيها لفظاً واحداً معناه أنه وجده كذلك تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ... ثم إذا نظرنا لم نجد أحداً من الأولين والآخرين من أهل اللغة يقول: إن العرب وضعت أضله الله وهداه وختم على سمعه وقلبه، وأزاغ قلبه، وصرفه عن طاعته ونحو ذلك لمعنى وجده كذلك ولكن الله ـ سبحانه ـ لما أراد الإبانة عن هذا المعنى قال: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} ٣ ولم يقل وأضلك.

الوجه الرابع: يقال لهم أي مدح؟ وأي توحيد؟ وتعريف للخلق بأن الأمر كله لله وبيده، وأنه ليس لأحد من أمره شيء في مجرد التسمية والعلامة ومصادفة ـ الرب تعالى ـ عباده كذلك، ووجوده لهم على هذه الصفات من غير أن يكون له فيها صنع، أو خلق، أو مشيئة، إذ البشر كلهم لا يعجزون عن التسمية والمصادفة والوجود فيا عجباً لهذا الهراء الذي لا مدح فيه ولا ثناء لرب العالمين"٤ ففي الحقيقة أن القدرية والجبرية لم يقدروا الله حق قدره بل هم هلكى فيما يجب لله من التعظيم والتنزيه، ولذلك أبغضهم أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينوا ما هم عليه من المنكر الواضح ومن الاعتقاد الفاسد.


١- سورة الفاتحة آية: ٦.
٢- سورة المائدة آية: ١٣.
٣- سورة الضحى آية: ٧.
٤- شفاء العليل ص٨٣ ـ ٨٤ بتصرف.

<<  <   >  >>