للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإخلاص التي هي "لا إله إلا الله". وأما أسنان هذا المفتاح فهي شرائع الإسلام كلها، من الصلاة والزكاة والصيام والحج والعمرة والجهاد وبر الوالدين وأداء الأمانة والإحسان إلى الجار وغير ذلك مما حض عليه دين الإسلام الحنيف والمفتاح لا يكمل إلا بأسنانه أما بدونها فلا فقد ذكر البخاري في صحيحه عن وهب١ بن منبه أنه قيل له: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى. ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك"٢.

وجاء في عمدة القارئ أن أبا نعيم الأصبهاني قال في كتابه "أحوال الموحدين": "إن أسنان هذا المفتاح هي الطاعات الواجبة من القيام بطاعة الله ـ تعالى ـ وتأديتها والمفارقة لمعاصي الله ومجانبتها" اهـ٣.

وفي الحقيقة أن هذا المثال الذي ضربه وهب بن منبه يجب اعتباره إذ أنه متضمن الإشارة إلى حل الإستشكال في بعض أحاديث الوعد التي علق فيها دخول الجنة على قول "لا إله إلا الله" أو الموت على التوحيد، فالواجب أن لا يفهم من تلك الأحاديث أن مجرد النطق بقول: "لا إله إلا الله" كاف في دخول الجنة والنجاة من النار، بل لا بد من القيام معها بحقوقها التي هي شرائع الإسلام والحرص قولاً وعملاً على تكميل مراتب الإيمان فكلمة لا إله إلا الله، سبب لدخول الجنة والنجاة من النار، ومقتضٍ لذلك، ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه، فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه، أو لوجود مانع.

قال الحسن للفرزدق٤ وهو يدفن امرأته: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن


١- هو: وهب بن منبه بن كامل اليماني الصنعاني روى عن أبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس وابن عمر وغيرهم. قال العجلي: تابعي ثقة وكان على قضاء صنعاء ووثقه أيضاً: أبو زرعة والنسائي وابن حبان كان مولده سنة أربع وثلاثين وتوفي سنة عشر ومائة هجرية. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" ١١/١٦٦ ـ ١٦٨".
٢- ١/٢١٥.
٣- عمدة القارئ ٨/٣.
٤- هو: همام بن غالب التميمي الدارمي أبو فارس الشهير بالفرزدق شاعر بليغ من أهل البصرة عظيم الأثر في اللغة من الطبقة الأولى في الإسلاميين كانت وفاته في بادية البصرة سنة عشر ومائة هجرية، وكلمة الحسن له تعريض بما كان الفرزدق يقوله في شعره من هجر القول. انظر ترجمته في: "خزانة الأدب للبغدادي ١/١٠٥ ـ ١٠٨، وفيات الأعيان ٢/١٩٦، الأعلام ٩/٩٦ ـ ٩٧".

<<  <   >  >>