للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال: "بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين"١.

قال أبو عبد الله القرطبي: "وقوله والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين" ولم يذكر عملاً ولا شيئاً سوى الإيمان والتصديق للمرسلين ذلك ليعلم أنه عنى الإيمان البالغ وتصديق المرسلين من غير سؤال آية ولا تلجلج، وإلا فكيف تنال الغرفات بالإيمان والتصديق الذي للعامة، ولو كان كذلك كان جميع الموحدين في أعالي الغرفات، وأرفع الدرجات وهذا محال، وقد قال الله تعالى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} ٢.

والصبر بذل النفس والثبات له وقوفاً بين يديه بالقلوب عبودية وهذه صفة المقربين.

وقال في آية أخرى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} ٣.

فذكر شأن الغرفة وأنها لا تنال بالأموال والأولاد وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح، ثم بين لهم جزاء الضعف وأن محلهم الغرفات، يعلمك أن هذا إيمان طمأنينة وتعلق قلب به مطمئناً به في كل ما نابه وبجميع أموره وأحكامه، فإذا عمل عملاً صالحاً فلا يخلطه بضده وهو الفاسد، فلا يكون العمل الصالح الذي لا يشوبه فساد إلا مع إيمان بالغ مطمئن صاحبه بمن آمن وبجميع أموره وأحكامه، والمخلط ليس إيمانه وعمله هكذا، فلهذا كانت منزلته دون غيره" اهـ٤.

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة يتراؤون الغرفة في الجنة كما تراؤون الكوكب في السماء" ٥.

وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة يتراؤون في الجنة كما تراؤون الكوكب الدريّ الغارب في الأفق


١- صحيح البخاري ٢/٢١٨، صحيح مسلم ٤/٢١٧٧.
٢- سورة الفرقان آية: ٧٥.
٣- سورة سبأ آية: ٣٧.
٤- التذكرة للقرطبي ص: ٤٦١ ـ ٤٦٢.
٥- صحيح مسلم ٤/٢١٧٧، المسند ٥/٣٤٠.

<<  <   >  >>