مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} يقول تعالى ذكره: في هذه الجنة التي ذكرها: أنهار من ماء غير متغير الريح، يقال منه "قد أسن ماء هذه البئر إذا تغيرت ريح مائها فأنتنت ... ".
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} يقول: غير متغير.
وقال قتادة: في قوله: {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} من ماء غير منتن ... وقوله {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} . يقول تعالى ذكره: وفيها أنهار من لبن لم يتغير طعمه لأنه لم يحلب من حيوان فيتغير طعمه بالخروج من الضرع ولكنه خلقه الله ابتداء في الأنهار فهو بهيئته لم يتغير عما خلقه عليه ... وقوله {وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} يقول: وفيها أنهار من عسل قد صفي من القذى وما يكون في عسل أهل الدنيا قبل التصفية، وإنما أعلم ـ تعالى ـ ذكره عباده بوصفه ذلك العسل بأنه مصفى أنه خلق في الأنهار ابتداء سائلاً جارياً سيل الماء واللبن المخلوقين فيها فهو من أجل ذلك مصفى، قد صفاه الله من الأقذاء التي تكون في عسل أهل الدنيا الذي لا يصفو من الأقذاء إلا بعد التصفية لأنه كان في شمع فصفي منه" اهـ١.
قال العلامة ابن القيم: بعد أن ذكر الآية السابقة: "فذكر ـ سبحانه ـ هذه الأجناس الأربعة، ونفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا فآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه، وآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة، وأن يصير قارصاً، وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي للذة شربها، وآفة العسل عدم تصفيتة وهذا من آيات ـ الرب تعالى ـ أن تجري أنهار من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها ويجريها في غير أخدود وينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها كما ينفي عن خمر الجنة جميع آفات خمر الدنيا من الصداع والغول واللغو والإنزاف وعدم اللذة فهذه خمس آفات من آفات خمر الدنيا فتغتال العقل ويكثر اللغو على شربها بل لا يطيب لشرابها ذلك إلا باللغو وتنزف في نفسها، وتنزف المال وتصدع الرأس وهي كريهة المذاق وهي رجس من عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء بين الناس وتصد عن ذكر الله، وعن الصلاة وتدعو إلى الزنا، وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم، وتذهب الغيرة، وتورث الخزي والندامة، والفضيحة، وتلحق شاربها بأنقص نوع الإنسان، وهم المجانين، وتسلبة أحسن الأسماء