للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والسمات وتكسوه أقبح الأسماء والصفات، وتسهل قتل النفس، وإفشاء السر الذي في إفشائه مضرته، أو هلاكه ومؤاخاة الشياطين في تبذير المال الذي جعله الله قياماً له ولم يلزمه مؤنته، وتهتك الأستار، وتظهر الأسرار، وتدل على العورات، وتهون ارتكاب القبائح والمآثم وتخرج من القلب تعظيم المحارم، ومدمنها كعابد وثن، وكم أهاجت من حرب وأفقرت من غنى، وأذلت من عزيز، ووضعت من شريف وسلبت من نعمة وجلبت من نقمة، وفسخت مودة، ونسجت عداوة، وكم فرقت بين رجل وزوجته، فذهبت بقلبه وراحت بلبه، وكم أورثت من حسرة، وأجرت من عبرة وكم أغلقت في وجه شاربها باباً من الخير، وفتحت له باباً من الشر، وكم أوقعت في بلية وعجلت من منية، وكم أورثت من خزية وجرت على شاربها من محنة وجرت عليه من سفلة فهي جماع الإثم ومفتاح الشر وسلابة النعم وجالبة النقم، ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة" ١ لكفى وآفة الخمر أضعاف أضعاف ما ذكرنا وكلها منتفية عن خمر الجنة، فإن قيل فقد وصف ـ سبحانه ـ الأنهار بأنها جارية ومعلوم أن الماء الجاري لا يأسن فما فائدة قوله {غَيْرِ آسِنٍ} ٢.

قيل الماء الجاري وإن كان لا يأسن فإنه إذا أخذ منه شيء وطال مكثه أسن، وماء الجنة لا يعرض له ذلك ولو طال مكثه ما طال، وتأمل اجتماع هذه الأنهار الأربعة التي هي أفضل أشربة الناس فهذا لشربهم، وطهورهم، وهذا لقوتهم وغذائهم، وهذا للذتهم وسرورهم، وهذا لشفائهم ومنفعتهم والله أعلم"اهـ٣.

وما تقدم من الآيات كلها تصف أنهار الجنة وهي تجري من تحت غرفها وقصورها وبساتينها وجريان الأنهار من تحت تلك الغرف والقصور والبساتين مما يزيدها بهجة وجمالاً وكل ذلك حاصل ومتحقق لعباد الله المتقين لأن ـ الباري سبحانه ـ وعدهم بذلك ووعده ـ سبحانه ـ حق لا يخلف.


١- رواه ابن ماجة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ٢/١١١٩، رواه أبو داود ٢/٢٩٣، ورواه النسائي في سننه ٨/٣١٨، ورواه أحمد في المسند ٢/٢٢، كلهم من حديث ابن عمر.
٢- سورة محمد آية: ١٥.
٣- حادي الأرواح ص١٢٢ ـ ١٢٣.

<<  <   >  >>