للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حياتها، وليس المقصود هنا حصر مظاهر حكمة الله فيما خلق من المخلوقات، وإنما نقصد بهذا أن نلفت نظر القائلين بأن الله لم يخلق الخلق لحكمة ـ تعالى الله ـ عن ذلك علواً كبيراً، ومن أراد الإطلاع بتوسع على مظاهر حكمة الله في خلقه "فليقلب" كتاب مفتاح دار "السعادة" لابن القيم فإنه جمع فيه من مظاهر حكمة الله في خلقه ما لا يتسع له هذا المقام. وإذا نظرنا إلى تفسير اسمه ـ تعالى ـ "الحكيم" من حكم على الشيء بأنه كذا، أو ليس كذا، فإنه لا يستطيع أحد أن يحكم على الأشياء بخواصها ومميزاتها، ومنافعها، ومضارها إلا الله ـ تعالى ـ لأنه ـ وحده العليم ـ بظواهر الأشياء وبواطنها ومزاياها ومثالبها لأنه خالقها، والعليم بأسرارها، الخبير بخفاياها فحكمه ـ تعالى ـ عليها أصدق الحكم قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ١.

فصفة الحكمة أثبتها الله ـ تعالى ـ لنفسه في أكثر من ثمانين موضعاً في كتابه الدال عليها اسمه ـ تعالى ـ الحكيم وهي كما قدمنا قريباً قائمة به ـ سبحانه وتعالى ـ كسائر صفاته الأخرى وهذا ما يجب اعتقاده في هذه الصفة.

قال تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} ٢.

قال العلامة ابن كثير: أي: "العليم بكل شيء الحكيم في خلقك وأمرك، وفي تعليمك ما تشاء، ومنعك ما تشاء لك الحكمة في ذلك والعدل التام"٣.

وقال تعالى مثبتاً لنفسه صفة الحكمة المقرونة بصفة العزة: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ٤.

وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} ٥.


١- سورة الملك، آية: ١٤.
٢- سورة البقرة، آية: ٣٢.
٣- تفسير القرآن العظيم: ١/١٢٨.
٤- سورة البقرة، آية: ٢٠٩.
٥- سورة آل عمران، آية: ٦.

<<  <   >  >>