للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أشار إلى هذه الأنواع العلامة ابن القيم حيث قال:

والحكمة العليا على نوعين ... أيضاً حصلا بقواطع البرهان

إحداهما في خلقه سبحانه ... نوعان أيضاً ليس يفترقان

إحكام هذا الخلق إذ إيجاده ... في غاية الإحكام والإتقان

وصدوره من أجل غايات له ... وله عليها حمد كل لسان

والحكمة الأخرى فحكمة شرعه ... أيضاً وفيها ذلك الوصفان

غاياتها اللاّتي حمدن وكونها ... في غاية الإتقان والإحسان١

وأوجد كل شيء على أدق نظام، وأحكم إتقان، خلق فسوى وقدر فهدى، وخلق الإنسان في أحسن تقويم، وخلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلقه من تفاوت ولا فطور زين السماء الدنيا بمصابيح وجعلها رجوماً للشياطين وأنبت من الأرض نباتاً يسقى بماء واحد، ويحيط به جو واحد، وتحتضنه تربة واحدة، ولكن منه الحلو اللذيذ السائغ والمر الكريه الذي تتقزز منه النفوس، خلق من الماء كل شيء حي. ونوع الأحياء المتفقة في أصلها أنواعاً لا يدركها حصر ولا يحصيها عد، وفي كل شيء في السماء والأرض آية بينة شاهدة على إتقانه ـ سبحانه ـ لما صنع ويكفينا آية أنه خلق هذا الإنسان الذي ألهمه اختراع الكثير من الآيات والأجهزة الدقيقة، وغير ذلك من الأمور المخترعة ـ فسبحان ربنا ـ إنه هو الحكيم العليم.

وإذا نظرنا إلى تفسير اسمه ـ تعالى ـ "الحكيم" بمعنى ذي الحكمة الذي بعلمه وحكمته يضع الأشياء في مواضعها فقد وضع ـ الحكيم العليم سبحانه ـ كل شيء في الموضع الذي لا يصلح إلا له، ولا يليق إلا به، ولو اجتمع علماء الدنيا بأسرها على اختلاف تخصصهم في العلوم على أن يضعوا شيئاً مما وضعه أحكم الحاكمين في مكان خير من مكانه لضل سعيهم وباؤوا بالخسران في مسعاهم، فليفكر الإنسان في كل أعضائه فهل يجد لعضو من أعضائه مكاناً خيراً من المكان الذي وضعه فيه أحسن الخالقين؟.

كما عليه أن يفكر في أن الله وضع للحيوان الذي يعيش في البحر أعضاء توائم حياته في الماء ووضع لحيوان البر ما يناسبه ولطير الهواء ما يلزمه، ولحشرات الأرض ما به تتم


١- القصيدة النووية مع شرحها توضيح المقاصد وتصحيح القواعد ٢/٢٢٦.

<<  <   >  >>