للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الأول: أن قولهم لو خلق الخلق لعلة لكان ناقصاً بدونها مستكملاً بها منقوض بنفس ما يفعله من المفعولات، فإنه يمكن أن يقال: فيها أيضاً إما أن يكون وجودها وعدمه بالنسبة إليه سواء أو لا يكون، فإن كان الأول امتنع صدورها عنه، وإن كان الثاني كان مستكملاً بها فما كان جواباً في المفعولات كان جواباً عن هذا ونحن لا نعقل في الشاهد فاعلاً إلا مستكملاً بفعله.

الوجه الثاني: أن مقتضى الكمال أن يكون ـ الباري ـ لا يزال قادراً على الفعل بحكمة فلو قدر كونه غير قادر على ذلك لكان نقصاً.

الوجه الثالث: قول القائل إنه مستكمل بغيره باطل، فإن ذلك إنما حصل بقدرته ومشيئته لا شريك له في ذلك فلم يكن في ذلك محتاجاً إلى غيره، وإذا قيل كمل بفعله الذي لا يحتاج فيه إلى غيره كان كما قيل: كمل بذاته، أو صفاته فهو مثلاً إذا فرح بتوبة عبده التائب وأحب من تقرب إليه بالنوافل ورضي عن السابقين الأولين، ونحو ذلك لم يجز أن يقال: إنه مفتقر في ذلك إلى غيره، أو مستكمل بسواه، فإنه هو الذي خلق هؤلاء وهداهم وأقدرهم حتى فعلوا ما يحبه ويرضاه ويفرح به.

الوجه الرابع: قول القائل كان قبل ذلك ناقصاً إن أراد به عدم ما تجدد، فلا نسلم أن عدمه قبل ذلك الوقت الذي اقتضت الحكمة وجوده فيه، يكون ناقصاً، وإن أراد بكونه ناقصاً معنى غير ذلك فهو ممنوع بل يقال عدم الشيء في الوقت الذي لم تقتض الحكمة وجوده فيه كمال أيضاً، فليس عدم كل شيء نقصاً، بل عدم ما لا يصلح وجوده وهو النقص كما أن وجود ما لا يصلح وجوده نقص، فتبين أن وجود هذه الأمور حين اقتضت الحكمة عدمها هو النقص لا أن عدمها هو النقص١ فهذه حجة الفلاسفة والأشعرية قد نقضها شيخ الإسلام ابن تيمية وهي حجة فلسفية بحتة سرعان ما انهارت أمام مناقشتها بما أورد عليها من الوجوه القوية التي تبين أن الله ـ تعالى ـ موصوف بالحكمة.

٢ ـ المذهب الثاني: مذهب المعتزلة: وهم يثبتون لله ـ تعالى ـ الحكمة في خلقه وفي أمره غير أنهم لا يقولون إنها صفة قائمة بذاته ـ تعالى ـ بل يقولون: إنها مخلوقة منفصلة عنه، فيزعمون مثلاً أن الحكمة في وجود الخلق هو الإحسان إليهم والحكمة في


١- مجموعة الرسائل والمسائل: ٥/١٦٢ـ ١٦٣.

<<  <   >  >>