للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى الفرض الجدلي الذي يقبله العقل ـ الضعيف ـ أن الرب جل وعلا ـ لو أراد أن يتخذ ولداً لاصطفاه ـ سبحانه ـ من بين خلقه لأن إرادته مطلقة والأمر ليس بحاجة إلى إقرار أو اقتراح من البشر ولكن مشيئته ـ تعالى ـ لم تتجه إلى هذا الاصطفاء لأنه الواحد القهار فهو الذي أبدع هذا الكون من العدم فما حاجته إلى الولد؟ والولد إنما هو امتداد لمن كتب الله عليه الفناء، والمحتاج إلى المعين والنصير، وقد اقتضت حكمة القادر العليم أن التكاثر في النوع الإنساني وغيره من المخلوقات لا بد له من صاحبة من جنسه، فكيف يكون لله ولد ولم تكن له صاحبة، فقد تفرد ـ سبحانه ـ بالألوهية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ١.

قال: العلامة ابن جرير رحمه الله ـ تعالى ـ: {لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} يقول تعالى ذكره: لو شاء الله اتخاذ ولد ولا ينبغي له ذلك، لاصطفى مما يخلق ما يشاء، يقول: لاختار من خلقه ما يشاء وقوله: {سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} يقول: تنزيهاً لله عن أن يكون له ولد، وعما أضاف إليه المشركون به من شركهم {هُوَ اللهُ} يقول: هو الذي يعبده كل شيء ولو كان له ولد لم يكن له عبداً يقول: فالأشياء كلها له ملك فأنَّى يكون له ولد، وهو الواحد الذي لا شريك له في ملكه وسلطانه، والقهار لخلقه بقدرته فكل شيء متذلل، ومن سطوته خاشع. أ. هـ٢.

وقال ابن كثير: {لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} أي لكان الأمر على خلاف ما يزعمون وهذا شرط لا يلزم وقوعه بل هو محال وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه كما قال عز وجل: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} ٣ {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} ٤ كل هذا من باب الشرط ويجوز تعليق الشرط على المستحيل لمقصد المتكلم أ. هـ٥.

وهكذا نرى أن الآية الواردة في السورة تنفي مزاعم القائلين بأن لله ولداً، ولو أراد ـ سبحانه ـ تسمية أحد من خلقه بذلك ما جعله ـ عز وجل ـ إلى أحد من خلقه ـ تعالى الله ـ


١- سورة الشورى، آية: ١١.
٢- جامع البيان عن تأويل آي القرآن ٢٣/١٩٢.
٣- سورة الأنبياء، آية: ١٧.
٤- سورة الزخرف، آية: ٨١.
٥- تفسير القرآن العظيم: ٦/٧٩.

<<  <   >  >>