للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ * وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} ١.

إن الناظر في هذه الآيات يلمس الوحدة الموضوعية بينها وبين الآيات السابقة قبلها إذ كل آية منها عالجت مفتريات المشركين في ملائكة الرحمن بالأدلة العقلية وناقشت أولئك المشركين بمنطق الحجة والبيان، فلم يستطيعوا المعارضة، وهم أرباب الفصاحة وقادة البلاغة والبيان، ثم إن الآيات تحمل في طياتها الوعيد الشديد والتهديد الأكيد لأولئك المشركين لشناعة قولهم، ومخالفته للحس والعقل والفطرة وهذه الآيات ناقشت المشركين في عدة نقاط هي:

١ ـ جعلهم لله من عباده جزءاً، أي: عدلاً، أو بعضاً لأن الولد بضعة من والده وجزءاً له، فإذا كانوا جميعاً عبيد الله فهل يصح أن يكون أحد منهم شريكاً لله أو بعضاً منه.

٢ ـ مناقشتهم عن السر في اختيارهم البنين لأنفسهم، وجعلهم البنات لله ـ تعالى ـ علماً بأنه قد تقرر لدى هؤلاء المشركين تفضيلهم البنين على البنات، فلو كان مرجع القسمة إلى العقل لكان الله أولى بالبنين من البنات، ولو كان مرجع ذلك إلى العدل بصرف النظر عن استحالة ذلك، أو إمكانه لكان العدل يقتضي على أسوأ تقدير التسوية في القسمة، ولكنهم تجاوزُوا في الطغيان، والبلادة حدود ما يألفه الذوق والفطرة الإنسانية.

قال تعالى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} ٢.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " أي: جائرة ... فبين ـ سبحانه ـ أن الرب الخالق أولى بأن ينزه عن الأمور الناقصة منكم فكيف تجعلون له ما تكرهون أن يكون لكم، وتستحيون من إضافته إليكم مع أن ذلك واقع لا محالة، ولا تنزهونه عن ذلك وتنفونه عنه، وهو أحق بنفي المكروهات المنقصات منكم" أ. هـ٣.

٣ ـ بينت الآية الرابعة من الآيات السابقة وهي قوله: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} ٤ أن الأنثى محل نقص في الظاهر والباطن في الصورة والمعنى


١- سورة الزخرف، آية: ١٥ ـ ١٩.
٢- سورة النجم، آية: ٢١ ـ ٢٢.
٣- درء تعارض العقل والنقل ١/٣٦ ـ ٣٧.
٤- سورة الزخرف، آية: ١٧.

<<  <   >  >>