للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"بختنصر" من يحفظ التوراة وهو لما أحياه الله بعد مائة عام أملى عليهم التوراة حفظاً فتعجبوا من ذلك وقالوا: "ما هذا إلا لأنه ابن الله"١.

والذي يتبين من الآثار المتقدمة، وما جاء في معناها يوضح لنا أن منشأ الشبهة عند اليهود في "عزير" هو أنه اختص بحفظ التوراة في زمن من الأزمنة دون سائر اليهود بغض النظر عن صحة تفاصيل تلك الآثار التي أسلفناها نقلاً عن بعض المفسرين، ولذلك زعموا أنها ما حصلت له هذه الكرامة إلا أنه ابن الله ـ تعالى ـ عن ذلك علواً كبيراً.

وهنا سؤال لا بد منه أمام مزاعم اليهود الباطلة هو: هل يلزم في كل إنسان خصه الله ـ تعالى ـ بنعمة من اصطفاء بالنبوة والرسالة أو استجابة للدعوة، أو ظهور كرامة من كرامات الأولياء على يديه هل يلزم من هذا أن يكون ذلك الإنسان ابناً لله؟.

ولو كان الأمر كذلك فهذا موسى ابن عمران وأخوه هارون بن عمران عليهما السلام قد جاءا بالتوراة من عند الله ولهما من الفضل والكرامة ما ليس لعزير فلماذا لم يدعيا أنهما ابنان الله؟.

ولكن الحقيقة التي لا شك فيها هي أن اليهود أضاعوا التوراة وتركوا العمل بها فضلوا عن سبيل الله القويم وصراطه المستقيم، وذهبوا يحرفون الكلم عن مواضعه، وأصدق دليل على ذلك ما حكاه الله ـ تعالى ـ عنهم في كتابه قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} ٢، وقوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِه ِ ... } ٣. وقال تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ٤ فإذا كان اليهود لا يعتبرون مصدر ثقة فيما استحفظوا عليه من كتاب الله فمن المسلم به أنه لا يوثق بأقوالهم التي تخالف العقل والنقل وتخالف الفطر المستقيمة، وقد حكى الله عنهم كثيراً من مخازيهم كقوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ


١- تفسير البيضاوي ١/٤١٢.
٢- سورة النساء، آية: ٤٦.
٣- سورة المائدة، آية: ١٣.
٤- سورة البقرة، آية: ٧٥.

<<  <   >  >>