للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فارق بين الفاعل بالإرادة والفاعل بالطبع فيمتنع مع كونه عالماً أن يكون كالأمور الطبيعية التي تتولد عنها الأشياء بلا شعور كالحار والبارد فلا يجوز إضافة الولد إليه"١.

وفي قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} استدلال بخلق السموات والأرض ابتداء من غير مثال سابق وكل الطوائف التي نسبت الولد إلى الله ـ تعالى ـ مقرة بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض ابتداء، ولكن الاستدلال بقوله تعالى {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} على النصارى أليق من غيرهم لأنهم استغربوا وجود عيسى عليه السلام من غير أب على غير مثال سابق ولهذا قالوا أنه ابن الله ولكن الغرابة تزول إذا عرفوا خلق آدم عليه السلام من غير مثال سابق كما سنذكر ذلك قريباً وإذا عرفوا خلق السموات والأرض ابتداءاً من غير مادة، فالإبداع عبارة عن تكوين الشيء من غير سبق مثال، فكأن الآية تقول للنصارى: سلمنا لكم أن عيسى حدث من غير أب ولا نطفة، بل إنما حدث ودخل في الوجود لأن الله ـ تعالى ـ أخرجه من الوجود من غير سبق الأب ولكنكم تقولون: إنه ابن الله، وعلى هذه فلا يخلو الأمر إما أن تريدوا بكونه ولداً لله ـ تعالى ـ أنه أحدثه على سبيل الإبداع من غير تقدم نطفة ووالد وإما أن تريدوا بكونه ولداً لله ـ تعالى ـ كما هو المألوف المعهود من كون الإنسان ولداً لأبيه أما الاحتمال الأول: فإن النصارى والمشركين يسلمون بأن الله ـ تعالى ـ خلق السموات والأرض إبتداءاً ويلزم على تسليمهم ذلك أن يكون خلقه للسموات والأرض إبداعاً، فلو لزم من مجرد كونه مبدعاً لإحداث عيسى عليه السلام كونه ولداً له للزم من كونه مبدعاً للسموات والأرض كونه والداً لهما، ولما فيهما من المخلوقات ومعلوم أن ذلك باطل بالاتفاق فثبت أن مجرد كونه مبدعاً لعيسى عليه السلام لا يقتضي كونه والداً له فبطل بهذا الاحتمال الأول.

وأما الاحتمال الثاني وهو أن يكون مراد القوم من الولادة هو الأمر المعتاد المعروف من الولادة في الحيوانات فهذا أيضاً باطل، يدل على بطلانه الوجوه التالية:

الوجه الأول: أن تلك الولادة لا تصح إلا ممن كانت له صاحبة وينفصل عنه جزء ويحتبس ذلك الجزء في باطن تلك الصاحبة وهذه الأحوال إنما تثبت في حق من يجوز عليه الأعراض المعروفة في التوالد والتناسل وكل ذلك على خالق العالم محال وهذا المراد من قوله تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} .


١- الرد على المنطقيين لشيخ الإسلام ابن تيمية ص٢١٩.

<<  <   >  >>