للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْهُ} ١. فادعى بعض النصارى أن "من" للتبعيض فيكون عيسى بعضاً من الله تعالى وقد نقل عن محمد بن إسحاق قوله عن النصارى: "إنهم يحتجون في قولهم أنه ولد الله بأنههم يقولون: لم يكن له أب يعلم في المهد وهو شيء لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله"٢.

وأصحاب هذا القول هم النسطورية ينسبون إلى نسطور، وكان "بطريريكاً" بالقسطنطينية٣ فقول النصارى في المسيح أنه ابن الله بهذا الإدعاء الشنيع ينسبون إلى الله الولد والتولد.

وهذا الزعم الباطل نتيجة الشبهة التي عرضت لهم وهو أن الله خلقه من أم بلا أب من البشر فلا بد أن يكون ولداً لله، وهذه الشبهة قامت الأدلة النقلية والعقلية على استحالة أن يكون لله ولد، أو صاحبة أو والد أو شريك، والله ـ تعالى ـ عظّم أمر هذه المقالة الشنيعة قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} ٤.

وقد أنذر الله ـ تعالى ـ جميع الطوائف التي تنسب إليه الولد بالوعيد الشديد والتهديد الأكيد قال تعالى: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً} ٥. وقد أبطل الله ـ عز وجل ـ مزاعم اليهود والنصارى ومشركي العرب في نسبة الولد إليه بقوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ٦ فنفي التولد عنه لامتناع التولد من شيء واحد، وأن التولد إنما يكون بين اثنين وهو ـ جل وعلا ـ لا صاحبة له، وأيضاً: فإنه خلق كل شيء، وخلقه لكل شيء يناقض أن يتولد عنه شيء، وهو بكل شيء عليم، وعلمه بكل شيء يستلزم أن يكون فاعلاً بإرادته فإن الشعور


١- سورة النساء، آية: ١٧١.
٢- مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ص٣٦٩.
٣- انظر الفصل لابن حزم ١/٤٩، الملل والنحل للشهرستاني ١/٢٢٤.
٤- سورة مريم، آية: ٨٨ ـ ٩٥.
٥- سورة الكهف، آية: ٤ ـ ٥.
٦- سورة الأنعام، آية: ١٠١.

<<  <   >  >>