للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك من اجتهد في طلب القبلة يَمْنة ويَسْرة أنّه يميل إليها ويتمادى في صلاته، لأنّه لم يكن عليه أكثر مِمّا فعل، وكذلك إذا استدبرها أيضًا ثمّ بان له ذلك في صلاته استدار وبنى؛ وفي هذا اختلاف، والصحيح أنّه لا فرق بين التشريق والتغريب وبين الاستدبار، وحديث ابن عمر كان بالمدينة، ومن استقبل بيت المقدس بالمدينة استدبر الكعبة، والصحابة - رضي الله عنه - استداروا في ذلك وبَنَوا، فلا وجه لمِا خالف ذلك.

وأمّا الإعادة على مَن صلّى إلى غير القبلة مجتهدًا فغير واجبة عند أكثر العلماء، ومن قال بوجوبها في الوقت فهو مُسقِطُها أيضًا لكنّه يَستحِبّ الإعادة؛ لأنّ الإعادة لو كانت واجبة ما أسقطها خروج الوقت، وأمّا مَن صلّى إلى غير القبلة متعمّدًا أو غير مجتهد؛ فالإعادة عليه عند العلماء أَبّدًا، لانَّه ترك فرضًا من فروض الصلاة عامدًا فلا صلاة له، وهذا الحديث أصل في معان كثيرة من الفقه (١).


= في "النوادر والزيادات" (١/ ١١٠ - ١١١) اختلافًا في هذا الباب عن أئمّه المالكية، وكذا القرافي في "الذخيرة" (١/ ٣٦٠ - ٣٦١)، فلينظر هناك.
وقد عزا الحافظ ابن عبد البرّ - رحمه الله - هذا لمذهب مالك، ولم يذكر عنه خلافه في "الاستذكار" (١/ ٣١٤ - ٣١٥)، والظاهر أنّه أصل عنده، انظر: "التمهيد" (١٧/ ٤٧).
(١) ذكر الحافظ ابن عبد البرّ اختلاف الفقهاء بشيء من البسط في "التمهيد" (١٧/ ٥٥ - ٥٧)، ثمّ قال: "النظر في هذا الباب يشهد ألاّ إعادة على فرد صلّى إلى القبلة عند نفسه مجتهدًا لخفاء ناحيتها عليه ... وقد كان العلماء مجُمِعين على أنّه قد فعل ما أبيح له فعله، بل ما لزمه، ثمّ اختلفوا في إيجاب القضاء عليه إذا بان له أنّه أخطأ القبلة، وإيجاب الإعادة فرض، والفرائض لا تثبت إلاّ بيقين لا مدفع له".
وينظر: "النوادر والزيادات" (١/ ١٩٨)، و"الذخيرة" (٢/ ١٣٢ - ١٣٤)، و"المدوّنة" (١/ ٩٢)، و"الإشراف على نكت مسائل الخلاف" (١/ ٢٢١ - ٢٢٢).

<<  <   >  >>