ودرس على عدد كبير من علماء قرطبة، وسمع من شيوخها الأعلامِ الفقهَ والحديث واللغة والتاريخ والأدب، حتّى استقلّ في العلم، وأصبح مِمّن يُعتدُّ بقوله فيه.
المطلب الثاني: رحلات الحافظ ابن عبد البرّ العلمية
لم يظهر لي فيما قرأت في المصادر التي ترجمت للحافظ ابن عبد البرّ السببُ الثابتُ المتّفقُ عليه من عدم خروجه من الأندلس طلبًا للعلم وعدم ارتحاله لأجل ذلك على ما هو دأب العلماء وشأنهم في الرحلة لطلب العلم، إلّا أنه يذكر له كثرة انتقاله في أرجاء شبه الجزيرة الأندلسية شرقًا وغربًا، وسكناه لكثير من مدنها.
ولعلّ سبب عدم خروجه يكمن في استغناء الحافظ ابن عبد البرّ بما وجد من كثرة العلماء ووفرتهم في بلاد الأندلس وخاصّة في مدينة قرطبة، وما شهدته تلك البلاد من نهضة علمية وثقافية عمّت جميع نواحي الحياة، فإنّه عاش في زمن شهد نشاطًا فكريًّا متميَزًا، ساعد عليه ما اهتمّ به الخلفاء من إجلال العلماء، وتقريبهم لهم، وتكريمهم، ورفع منازلهم، وتشجيعهم على التصنيف، وما اعتنوا به - أيضًا - من جمع الكتب من سائر الأقطار الإسلامية وعلى وجه الخصوص بلاد المشرق (١).
وأمّا فيما يتعلّق بتنقّل ابن عبد البرّ داخل الأندلس، فإنّه يسجّل له رحلات قيل إنّ من أسبابها الأحوال السياسية التي كانت سائدة آنذاك في قرطبة وغيرها من مدن الأندلس، وما آل إليه الوضع من كثرة الفتن والقتل والنهب والسلب، وما أدّى إليه