قال ابن القيم - رحمه الله -: «فذكر الأمرين -أي جمع بين (اللهم) و (ربنا) -ولم يجئ في القرآن سواه، ولا رأيت أحدًا تعرض لهذا ولا نبه عليه، وتحته سر عجيب دالٌّ على كمال معرفة المسيح بربه وتعظيمه له؛ فإن هذا السؤال كان عقيب سؤال قومه له:{هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ}، فَخَوَّفَهم بالله وأعلمهم أن هذا مما لا يليق أن يُسأل عنه، وأن الإيمان يَرُدُّه، فلما ألحُّوا عليه في الطلب وخاف المسيح أن يُداخلهم الشك إن لم يُجابوا إلى ما سألوا، بدأ في السؤال باسم {اللَّهُمَّ} الدال على الثناء على الله بجميع أسمائه وصفاته، ففي ضمن ذلك تَصَوّره بصورة المُثني الحامد الذاكر لأسماء ربه المُثني عليه بها. وأن المقصود منه بهذا الدعاء وقضاء هذه الحاجة: إنما هو أن يُثني على الرب بذلك، ويُمَجِّده به، ويذكر آلاءه، ويُظهر شواهد قدرته وربوبيته، ويكون برهانًا على صدق رسوله فيحصل بذلك من زيادة الإيمان والثناء على الله أمر يحسن معه الطلب ويكون كالعذر فيه، فأتى بالاسمين: اسم الله الذي يُثْنَى عليه به، واسم الرب الذي يُدعَى ويُسأَل به، لما كان المقام مقام الأمرين.
فتأمل هذا السر العجيب ولا يَنْبُ عنه فهمك، فإنه من الفهم الذي يؤتيه الله من يشاء في كتابه وله الحمد» (١).