ما جاؤوا به، وقد يتأوَّلُون أخبار الأنبياء، وفيها ردٌّ على أهل الكتاب بما تَضَمَّنه ذلك من الأمر بالإيمان بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -، وتقرير نبوته، وذِكْر حال من عَدَل عن النبوة إلى السِّحْر، وذِكْر النَّسْخ الذي ينكره بعضهم، وذِكْر النصارى، وأن الأُمَّتَين لن يرضوا عنه حتى يَتَّبِع مِلَّتَهم؛ كل هذا في تقرير أصول الدين؛ من الوحدانية والرسالة.
ثم أخذ سبحانه في بيان شرائع الإسلام التي على مِلَّة إبراهيم، فَذَكر إبراهيم الذي هو إمام، وبناء البيت الذي بتعظيمه يَتَمَيَّز أهل الإسلام عما سواهم، وذَكَر استقباله، وقَرَّر ذلك؛ فإنه شعار المِلَّة بين أهلها وغيرهم؛ ولهذا يُقَال: أهل القبلة، كما يُقال:«مَن صلَّى صلاتنا، واستقبل قِبْلتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فهو المُسْلِم»(١).
وذَكَر من المناسك ما يختص بالمكان؛ وذلك أن الحج له مكان وزمان، والعمرة لها مكان فقط، والعكوف والركوع والسجود شُرِع فيه ولا يتقيد به ولا بمكان ولا بزمان، لكن الصلاة تتقيد باستقباله، فذكر سبحانه هذه الأنواع الخمسة: من العكوف، والصلاة، والطواف، والعمرة، والحج؛ والطواف يختص بالمكان فقط، ثم أتبع ذلك ما يتعلق بالبيت، من الطواف بالجبلين، وأنه لا جُنَاح فيه؛ جوابًا لما كان عليه الأنصار في الجاهلية من كراهة الطواف بهما لأجل إهلالهم لمَنَاة، وجوابًا لقوم تَوَقَّفُوا عن الطواف بهما. وجاء ذكر الطواف بعد العبادات المُتَعَلِّقة بالبيت -بل وبالقلوب والأبدان والأموال- بعد ما أُمِرُوا به من الاستعانة بالصبر والصلاة اللَّذَين لا يقوم الدين إلا بهما، وكان ذلك مفتاح الجهاد المؤسس على الصبر؛ لأن ذلك من تمام أمر البيت؛ لأن أهل المِلَل لا يُخَالِفُون فيه، فلا يقوم أمر البيت إلا بالجهاد عنه.
(١) أخرجه البخاري (٣٩١) من حديث أنس - رضي الله عنه -.