فإن الفاءَ الداخلة على خبر المبتدأ الموصول أو الموصوف تُفْهِم معنى الشرط والجزاءِ، وأن الخبر مُسْتَحَقّ بما تضمنه المبتدأُ من الصِّلَة أو الصفة، فلما كان هنا يقتضي بيان حَصْر المُسَتَحِق للجزاءِ دون غيره، جرد الخبر عن الفاءِ، فإن المعنى: أن الذي ينفق ماله لله ولا يَمُنّ ولا يُؤذي، هو الذي يستحق الأجر المذكور، لا الذي يُنفِق لغير الله ... ويَمُن ويُؤذي بنفقته، فليس المقام مقام شرط وجزاءٍ بل مقام بيان للمُسْتَحِق من غيره، وفي الآية الأخرى للمستحق دون غيره.
وفى الآية الأخرى ذَكَر الإنفاق بالليل والنهار سرًّا وعلانية، فذَكَر عموم الأوقات وعموم الأحوال، فأتى بالفاءِ في الخبر؛ ليدل على أن الإنفاق في أي وقت وُجِد من ليل أو نهار، وعلى أية حالة وُجِد من سر وعلانية، فإنه سبب للجزاء على كل حال، فليبادر إليه العبد ولا ينتظر به غير وقته وحاله، ولا يُؤخِّر نفقة الليل إذا حضر إلى النهار، ولا نفقة النهار إلى الليل، ولا ينتظر بنفقة العلانية وقت السر، ولا بنفقة السر وقت العلانية، فإن نفقته فى أي وقت وعلى أي حال وُجِدَت سبب لأجره وثوابه، فتدبر هذه الأسرار في القرآن؛ فلعلك لا تظفر بها تمر بك في التفاسير، والمنة والفضل لله وحده لا شريك له» (١).