للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإسكافي - رحمه الله - (١): «للسائل أن يسأل فيقول: هذا في قصة واحدة، فجاء في موضع: {الْأَخْسَرِينَ} (الأنبياء: ٧٠)، وفي موضع: {الْأَسْفَلِينَ} (الصافات: ٩٨)، فهل في كلٍّ من المكانين ما يختص باللفظ الذي خصّ به؟

والجواب أن يقال: أمّا في سورة الأنبياء فإن الله تعالى أخبر فيها عن إبراهيم - عليه السلام - أنه قال: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} (الأنبياء: ٧٥)، ثم أخبر عن الكفار لمّا ألقوه في النار وأرادوا به كيدًا: {فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} (الأنبياء: ٧٠)، والكيد: سعي في مضرة لِتُورَد على غفلة، فذكر مُكَايَدَة بينهم وبين إبراهيم - عليه السلام -، فكادهم ولم يكيدوه فخسرت تجارتهم وعادت عليهم مُكَايَدَتُهم؛ لأنه كسّر أصنامهم ولم يبلغوا من إحراقه مرادهم، فذكر الأخسرين؛ لأنهم خسروا فيما عاملهم به وعاملوه من المُكَايَدة التي أُضيفت إليهما.

وأما الآية التي في سورة الصافات فإن الله تعالى أخبر عن الكفار فيها بما اقتضى من الأسفلين، وهو أنه قال: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧)}، فبنوا له بناء عاليًا ورفعوه فوقه ليرموا به من هناك إلى النار التي أَجَّجُوها، فلما عَلَوا ذلك البناءَ وحطّوه منه إلى أسفل، عادوا هم الأسفلين؛ لأنهم أُهلِكُوا في الدنيا وسَفُل أمرهم في الأُخْرى، والله تعالى نجّى نبيّه - عليه السلام - وأعلاه عليهم، فانقلب عالي أمرهم في صعود البناء وسافل أمر إبراهيم - عليه السلام -.

فلمّا حُطّ إلى النار، صار ذلك سَافِلًا، وأمر النبي - عليه السلام - عاليًا؛ فلذلك اختصت هذه الآية بقوله: {فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨)} (الصافات)» (٢).


(١) هو: محمد بن عبد الله الخطيب الإسكافي، أبو عبد الله، عالم بالأدب واللغة، من أهل أصبهان. كان إسكافًا -يُقال للخَرَّاز أو الصانع- ثم خطيبًا بالريّ. توفي سنة: ٤٢٠ هـ. انظر: الوافي بالوفيات (٣/ ٢٧١)، والأعلام للزركلي (٦/ ٢٢٧ - ٢٢٨).
(٢) درة التنزيل (١/ ٩٠٥ - ٩٠٦).

<<  <   >  >>