فكيف يعبدون معه غيره ويجعلون له شركاء لا يملكون شيئًا من هذا ولا يستطيعون فِعْل شيء منه؟ ! ولهذا قال بعد أن ذَكَر ذلك من شأنه تعالى:{فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ}؛ أي: لا بُد أنهم يُقِرُّون بذلك ولا يجحدونه، فلا بُد أن يكون المذكور مما يُقِرُّون به، والمُخَاطَبون المُحْتَج عليهم بهذه الآية إنما كانوا مُقِرِّين بنزول الرزق من قِبَل هذه السماء التي يشاهدونها بالحس، ولم يكونوا مُقِرِّين ولا عالمين بنزول الرزق من سماء إلى سماء حتى تنتهي إليهم، ولم يَصِل علمهم إلى هذا، فأُفردت لفظ السماء هنا، فإنه لا يمكنهم إنكار مجيء الرزق منها، لا سيما والرزق هاهنا إن كان هو المطر فمجيئه من السماء التي هي السحاب، فإنه يُسَمَّى سماء؛ لِعُلُوِّه، وقد أخبر سبحانه أنه بَسَط السحاب في السماء بقوله:{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ}(الروم: ٤٨)، والسحاب إنما هو مبسوط في جهة العلو لا في نفس الفلك، وهذا معلوم بالحس فلا يُلتفت إلى غيره.
فلما انتظم هذا بذِكْر الاحتجاج عليهم، لم يصلح فيه إلا إفراد السماء؛ لأنهم لا يُقِرُّون بما ينزل من فوق ذلك من الأرزاق العظيمة للقلوب والأرواح، ولا بد من الوحي الذي به الحياة الحقيقية الأبدية، وهو أولى باسم الرزق من المطر الذي به الحياة الفانية المُنْقَضِية، فما ينزل من فوق ذلك من الوحي والرحمة والألطاف والموارد الربانية والتَّنَزُّلات الإلهية وما به قِوَام العالَم العُلوي والسُّفْلي من أعظم أنواع الرزق، ولكن القوم لم يكونوا مُقرين به، فخُوطِبوا بما هو أقرب الأشياء إليهم بحيث لا يمكنهم إنكاره.
وأما الآية التي في سورة سبأ، فلم ينتظم بها ذِكْر إقرارهم بما ينزل من السموات؛ ولهذا أَمَر رسوله بأن يتولى الجواب فيها، ولم يذكر عنهم أنهم المُجيبون المُقِرُّون، فقال:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ}، ولم يَقُل:{فسيقولون الله}، فأمر