قيل: إن الله - تعالى - لم يقتصر على غسل الوجه دون باقي الأعضاء. ألا ترى أنه لم يذكر الماء حتى ذكر غسل الأعضاء كلها، وفرغ من ذكر حكم طهارة الجنابة، ثم قال: ﴿فلم تجدوا ماء﴾، فثبت أنه أراد ماء للحكم الذي تقدم ذكره، فلا فرق بين ذكر الوجه وبين غيره من المذكور؛ لأن حكم الجميع حكم واحد في أن الطهارة لا تتم إلا بجميعه، فهي في حكم العضو الواحد، فعلمنا أنه أباح التيمم عند عدم الماء الذي تعلق الحكم به في الطهارتين جميعا.
وقولكم: إن الوجود يمنع العدم فإننا نقول: إنما الوجود لماء يكفي الطهارة كلها يمنع التيمم، وليس ها هنا ماء هذه صفته، وقد كان أيضا ينبغي على ما تقولون أن لا يجوز التيمم أصلا؛ لأن الوجد الحاصل ينفيه، لما أوجبتم التيمم سقط حكم الماء الموجود.
فإن قيل: إنما أوجبنا التيمم عبد استعمال هذا القدر من الماء في بعض أعضائه، ثم يصير عادما لما يكفي باقي الأعضاء فيجب عليه أن يتيمم.
قيل: هذا لا يلزم من وجهين:
أحدهما: أن الأمر بغسل الأعضاء كلها قد تقدم على فعلنا جملة الطهارة، وذكر كيف الحكم فيها، فلما انقضى ذكرها قال: وإن كنتم يا محدثين مأمورين بالطهارة على غير هذه الصفة في وجود الماء الذي