وأيضا فإن الدباغة بالشب والقرظ تصير عليه مثل الغشاوة فتزول معه الروائح المتغيرة، وتكتسي ريح الشب والقرظ، ولهذا نستعمله نحن في الأشياء اليابسة؛ لأنه يصر بمنزلة شيء قد غشيه شيء طاهر.
فأما قوله ﵇ في السقاء الذي استسقى منه:(دباغه طهوره)، أي قد نقله من منع الاستعمال إلى جوازه على ما بيناه، ويجوز ترك الماء فيه؛ لأن الناس مختلفون في تطهيره، والماء في أصله يدفع النجس عن نفسه. ثم مع هذا فإن الميتة إذا لاقت الماء فلم تغيره فإن الماء على أصله في الطهارة - عندنا - قليلا كان الماء أو كثيرا، وليس كذلك المائعات غير الماء، فلهذا جاز استعمال الجلد المدبوغ في الماء ولم يجز في غيره من المائعات.
فإن قيل: فإنه جلد طاهر بنجاسته فجاز أن يحكم بطهارته أصله جلد المذكي إذا تلوث بالدم أو غيره.
أو نقول: نجاسة طرأت على جلد طاهر فجاز أن يطهر، أصله ما ذكرناه.
قيل: الجلد المذكي علته أنه طاهر انتقل إلى طهارة هي التذكية، فأشبه اللحم المذكي، فإذا تلوث بالدم جاز أن يزول عنه كما يزول عن اللحم، وليس كذلك جلد الميتة؛ لأنه كلحمها، فإذا لم تزل نجاسة لحمها لم تزل نجاسة جلدها.