للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان من جلّة العلماء والمحدثين، أكثر اشتغاله بالحديث. وكان ذا هيئة جميلة وشارة حسنة، وسيم الصورة، منبسط النفس، عالي الهمة.

وكان عنده من الكتب ما لم يكن عند أحد. أدخل مالقة فوائد وكتبا لم يشاهدها قبله أحد من أهلها. وجدت بخط خالي ما نصه: أنشدني الفقيه أبو عبد الله المومناني وقال: وجدتها بخط قاضي الجماعة الشريف أبي عبد الله محمد بن طاهر الفاسي (١)، وينسبها لابن تومرت يخاطب بها أبا حامد الغزالي، وهي: [متقارب]

أخذت بأعضادهم إذ أتوا … وخلّفك العجز إذ أسرعوا

وأصبحت تهدي ولا تقتدى … وتسمع وعظا ولا تسمع

فيا حجر الشّحذ حتّى متى … تسنّ الحديد ولا تقطع

قال: وأنشدني أيضا له: [سريع]

الأرض للطّوفان محتاجة … لعلّها من درن تغسل

قد كثر البغي على ظهرها … وكذّب المرسل والمرسل

وانتقل إلى مراكش، وبقي بها معظما عند الأمير الرشيد أبي محمد عبد الواحد بن أبي العلاء في غاية من المكانة والتنويه إلى أن أراد الله بهلاكه، فكتب (٢) إلى بعض السادات يذكر له القيام على الأمير أبي محمد عبد الواحد المذكور، فذهب غلامه بالبطاقة فجعلها في يد الأمير وهو يظن أنه إليه أرسله. فكان الأمير على شغل في قصره، فلم يعبأ بالبراءة ورمى بها واشتغل بما كان بصدده.

ورجع الغلام إلى أبي عبد الله المذكور فأعلمه بالنازلة، فعلم أنه لا يعيش أبدا. ثم فكر في نفسه وحمله رأيه على أن يكتب براءة يستعذر للأمير فيها ويطلب الإقالة منه لعثرته، ووجه بها إليه في الحين. فقرأ الأمير البراءة، وقال: لأي شيء يستعذر وما جنى ذنبا. ثم تذكر البراءة الأولى فقرأها ووجه في الحين على أبي عبد الله المومناني وأمر بقتله. ويقال: إنه ذبح ذبحا نفعه الله وأعظم أجره. ووصل مالقة خبر موته في أوائل ذي القعدة عام ثمانية وثلاثين وستمائة (٣).


(١) في الأصل أ: السافي / والمذكور هو محمد بن طاهر الحسيني الفاسي يعرف بابن الصيقل (ت ٦٠٨) بإشبيلية / تنظر ترجمته في: الذيل ٣٠٨/ ٨ والمراجع المذكورة - صلة الصلة: ٦ (نسخة مرقونة).
(٢) الخبر وتفاصيله واردان في المصادر التي ترجمت للمذكورة أعلاه / وينقل في صلة الصلة في هذا عن أعلام مالقة.
(٣) في الذيل ٣٥٢/ ٨ أن وفاته كانت عام ٦٣٩ - راجع تعليق المحقق بالهامش.

<<  <   >  >>