للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عشيّة مات الصّبر واحتضر العزا … وغيض (١) بماء العين في جفنها السّحت

وجاء رسول البين فينا، فقال إذ … رآني لأشياع له: ذا تخيّرت

فشدّ على أطواق ثوبي كفّه … وأسلمني من بعد أنسي (٢) وجرّدت

إلى عصبة لم يرحموا سوء مرفقي … كأنّي بدين الله ربّي كذّبت

وأذّن فينا للرّحيل مؤذّن … فقال: أجيبوا البين قد حضر الوقت

فهان عليّ الموت حين سمعته … ووكّل بي منهم رفيق فما زدت

أقاد ولا أدري أقتل يراد بي … أم السّجن، فاستسلمت للحين وانقدت

فقيّدت في قيد الحديد كأنّني … أسير بدار الحرب، أو من به غرت

وطبّقت في سجن إذا اللّيل جنّه … تجلّت نجوم اللّيل بدرا (٣) وكبّرت

وظلمة سجني في سواد مصائبي … كمشي نهار مرّ ساعته السّتّ

مصاب أبي مروان أفنى تجلّدي … فصبري مقطوع الحبال ومنبتّ

تجرّع كأس الموت دوني ليته … يؤخّر عن ذاك المقام وقدّمت

به كنت ألتذّ الحياة وإن غدا … صريع المنايا ما أبالي متى متّ

فقدت بفقدي شخصه كلّ راحة … وكلّ سرور يوم ودّع ودّعت

وعوّضت من أنسي به الحزن والأسى … ومن جمع شملي بالتّفرّق عوّضت

سأبكي عليه ما بقيت، فإن أمت … سيبكيه من بعدي رثائي الذي قلت

وإن لم أجد دمعا بكيت له دما … وإن لم أطق كتمان ما حلّ بي، بحت

وإن غلب الوجد المبرّح والأسى … وضعت على قلبي يدي وتأوّهت

إذا اشتدّ بي كربي وضاقت مذاهبي … ولم أستطع صبرا على كبدي صحت

تطاول بي ليلي وبدري آفل … فلا البدر يبدو لي ولا أنا أصبحت

أقول لمن بالذّلّ والسّجن عابني … رويدا، فإن حال الزّمان فما حلت /

وإن كان وشك البين أخلق جدّتي … فحزني جديد ليس يخلق ما شئت

وإن كان صرف الدّهر غيّر ظاهري … فإنّي الذي تدرونه (٤) ما تغيّرت


(١) في الأصل أ: وغيض ماء
(٢) في الأصل أ: من بعد اني
(٣) في الأصل أ: بدا.
(٤) في الأصل أ: تدرون.

<<  <   >  >>