قبل فيه، وأظهر في البلد آثارا كثيرة في داخله وخارجه. وكان مع ذلك مقصودا من البلاد، يرد الناس عليه من كل قطر، وينشدونه الشعر، فيحسن إليهم ويرفدهم.
وكان عطاؤه جزلا وعائده ضخما. وبقي كذلك في هنية من عيشه سنين. ثم إن الأقدار دارت عليه حتى أعفت رسمه، وصيّرته كأن لم يكن. وذلك أنه كان قد أضرّ أهل بلده وأذاقهم شرّا، وحمّلهم ما لم يكن في وسعهم. فكان / الناس يرتقبون هلاكه، ويكثرون من الدعاء عليه. فأمهله الله تعالى إلى أن أخذه، فلم يفلته. وكان ابتداء زوال أمره وجاهه في أول مدة الأمير أبي عبد الله ابن نصر، لأنّ ابن زنون ضبط البلد عند خروج سالم بن هود عنه، ورام البقاء على دعوة ابن هود. ولما خالفت البلاد ورجعت للأمير أبي عبد الله بن نصر، رأى ابن زنون أنه لا يفيده البقاء مع ابن هود، فشرع في بيعة الأمير أبي عبد الله بن نصر، وذلك في ليلة الأربعاء العاشر من رمضان. واستدعى ابن زنون الناس للشهادة فيها بالليل في داره، بعد أن استعد الرجال والحراس بالأسلحة، فقرئت بالليل، وشهد فيها، وأعيدت قراءتها في اليوم الثاني بالمسجد الجامع. وفي غدوة يوم الأربعاء الحادي عشر من رمضان اتصل (خبر)(١) وصول الرئيس أبي الوليد ابن عم الأمير أبي عبد الله ابن نصر، فشرع ابن زنون في الخروج إلى لقائه، وأمر الناس بذلك. ثم خرج، وتقدّم ابن إدريس أمامه، فوثب العامة عليه وقتلوه. فرجع ابن زنون إلى البلد، وقتل الزّهري وابن بسام. ثم رأى اشتداد الأمر، ففتح الباب ودخل الرئيس ومن معه، وفرّ ابن زنون من حينه صحبة أخيه عامر، وعلجيه. فأمر باتّباعه، فأدرك في بعض الطّريق، وسيق. وجعل في قطعة كانت في البحر. وأفلت أخوه وعلجاه. وانتهبت دياره وديار قرابته. ثم إنّه أنزل من القطعة، وسجن بالقصبة، وأخذ معه جملة من أصحابه، فثقّفوا في الحديد.
ثم إنّه حمل بالليل في زورق إلى غرناطة، وضرب فيها ضربا وجيعا، المرة بعد المرّة. ثم ردّ إلى مالقة ليخرج مالا اتّهم أنّه كان عنده، فلم يخرجه. وما زال يعاقب بالضّرب حتى مات. وكان يضرب بالليل بحيث لا يراه أحد ولا يسمعه، فقيل: إنه