واعلم بأنّي للعوارف شاكر … كالهيم تشكر عارفات الأمنح
أشفقت من عضّ الحديد، وروعه … في الصّدر لم يذهب ولم يتزحزح
ومن ذلك قوله: [بسيط]
ويحسبون بأنّ الدّهر غيّركم … والظّن أكذب. أين الفضل والكرم
يا حافظ العهد، إن خان الرّجال به … ألم تكن بيننا فيما مضى ذمم
وإن توقّف عطف أو جفا كرم … فالطّرف يكبو، وينبو الصّارم الخذم
أبا عليّ، وخير القول أصدقه … دع ما تجيء به الظّنّات والتّهم
تسيء بي الظن والرحمن يشهد لي … أني بحبلك بعد الله أعتصم /
من غيّر الودّ ما بيني وبينكم … تغيّرت عنده الأرزاق والنّعم
فلا تطاوع أناسا في صدورهم … مع الحسادة نار الحقد تضطرم
من أجل نكسي يرى أنّ الصّلاح به … أن يظهر الشّرّ مثل الموج يلتطم
فاخفض جناحا وخذ بالعفو ما ظلموا … لا زلت تعفو، ومن عاداك تنتقم
إذا أصابت من الأيّام حادثة … فأنت نور لديه تنجلي الظّلم
وإن غدوت خفيف الجسم ضامره … فالذّابلات إليها تجنح البهم
الخيل تسبق إن كانت مضمّرة … والسّهم ينحت والصّمصام والقلم
فلا تمكّن سفيها من إرادته … فيصبح الرّأس تعلو فوقه القدم
شاور أخاك ودع بعض الورى همجا … أمّا الذّئاب فما ترعى بها الغنم
واشدد يديك بمن صحّت مودّته … فليس يدبغ جلد مسّه حلم
وقد دعوت إلى إصلاح فاسده … وما بأذنك عن أمثالها صمم
وسقت بيتا جرى في دهرنا مثلا … والشّعر فيه ترى الأمثال والحكم
«يا أعدل النّاس إلاّ في معاملتي … فيك الخصام، وأنت الخصم والحكم» (١)
قال أبو العباس أصبغ ﵀: هذه القصيدة كانت سبب عفوهم عنه، والله يغفر للجميع.
(١) البيت المضمن للمتنبي. وهو في ديوانه ٨٣/ ٤.