للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

هذان الأثران استدل بهما من ذهب إلى أن إعسار الزوج بالنفقة يوجب أن يكون للمرأة حقُّ الفسخ في هذه الحال؛ فأما أثر سعيد فدلالته على ذلك ظاهرة؛ لأنه قال: «يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا» أي: إذا طلبت المرأة ذلك، وقوله: «سُنَّةٌ» يحتمل أنه أراد سنَّة النبي ، وهو الأظهر؛ فهو من مراسيل سعيد بن المسيَّب، وهي من أقوى المراسيل عند أهل العلم.

أما أثر عمر فليست دلالته ظاهرة على هذا الحكم، أعني التفريق بالإعسار بالنفقة، لأن قوله: «أَنْ يُنْفِقُوا» وقوله: «فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا حَبَسُوا»، ليس فيه ذكر للإعسار، بل ظاهره أنهم قادرون، ولا شك أن من امتنع من النفقة على امرأته وهو قادر؛ أنَّه يجبر على الإنفاق أو يفرق بينهما، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة؛ فذهب الجمهور إلى ما دلَّ عليه أثر سعيد بن المسيَّب، وقالوا: إذا أعسر الزوج بالنفقة فُرِّق بينهما، وقاسوا ذلك على العجز عن الوطء، والضرورة إلى الطعام أشدُّ من ضرورة الاستمتاع.

وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الإعسار بالنفقة لا يوجب التفريق، ولا يجعل للمرأة حق الفسخ، وقد قال الله : ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (٧)[الطلاق: ٧]، قالوا: ولم ينقل عن أحد من الصحابة أو التابعين أنه فُرِّق بينه وبين امرأته لإعساره، مع ما نقل من قلة ذات اليد عن كثير منهم، وهو مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر، ونصره ابن القيم في «زاد المعاد» (١)، وتوسط بعضهم فقال: لا يفرق بينهما، لكن على الزوج أن يمكنها من الاكتساب.

وفي الأثرين فوائد؛ منها:

١ - منزلة سعيد بن المسيب في الفتوى.

٢ - بعث عمر الجنود للجهاد وحماية البلاد.


(١) «زاد المعاد» (٥/ ٥١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>