للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: اتِّفَاقُ أهْلِ البَاطِلِ عَلَى هَدَفٍ وَاحِدٍ، أَلَا وَهُوَ تَكْذِيبُ الرُّسلِ، واتِّبَاعُ آبَائِهِمْ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: تَحرِيمُ التَّقلِيدِ بالبَاطِلِ، وأمَّا التَّقلِيدُ بالحَقِّ فَلَا بَأْسَ بِهِ، فإِذَا كَانَ رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ حُكْمَ مَسأَلةٍ فِي دِينِ اللهِ، ولَيسَ عنْدَهُ قُدرَةٌ عَلَى الاجتِهَادِ، فإِنَّ فَرْضَهُ التَّقلِيدُ؛ لقَولِ اللهِ تعَالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: ٤٣]؛ ولقَوْلِ اللهِ تعَالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]؛ ولقَولِهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦].

وأمَّا مَنْ حرَّمَ التَّقلِيدَ مُطلَقًا فقَوُلهُ بَاطِلٌ مُخالِفٌ لظَاهِرِ القُرآنِ، وأمَّا مَنْ أَلْزَمَ بِهِ مُطْلقًا فقَولُهُ بَاطِلٌ مخُالِفٌ لمِا يَجِبُ الإيمَانُ بِهِ مِنِ اتِّباعِ الرُّسُلِ.

فالصَّوابُ: أن التَّقلِيدَ للضَّرُورَة جَائِزٌ؛ ولهَذَا قَال شيخُ الإسلَامِ ابْنُ تَيمِيَّةَ رَحَمَهُ اللهُ: "التَّقلِيدُ بمَنزِلَةِ أَكْلِ المَيتَةِ، إنِ اضطر إنسَانٌ إلَيهِ فهُوَ جَائِزٌ، وإلَّا فَلَا" (١).

ولكِنْ لَا يُمكِنُ أَنْ نَقُولَ للعَامِّيِّ صَاحِبِ السُّوقِ: اجْتَهِدْ فِي هذ المسأَلَةِ حتَّى تَعرِفَ حُكْمَ اللهِ، ولَوْ بَقِي يَجْتَهِدُ لخبَّطَ، لكِنَّ فرضَهُ أَنْ يَسْأَلَ.

فإِنْ قال قائِلٌ: هَلْ يجوزُ التَّقلِيدُ فِي أُصُولِ الدِّين، أَوْ فِي فُرُوعِ الدِّينِ فَقَطْ؟ فالجَوابُ: أوَّلًا تَقْسِيمُ الدِّين إِلَى أُصُولِ وفُرُوعٍ حَادِثٌ لَم يَكُنْ مَعرُوفًا فِي عهْدِ الصَّحابَةِ، وَيدُلُّ عَلَى بُطلَانِهِ أنَّهُم يَجعَلُونَ الصَّلاةَ والزَّكاةَ والصَّيامَ والحَجَّ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ، مَعَ أنَّها أركَانُ الإسلَامِ، فالصَّوابُ: أن الشَّرعَ لَا يَنْقَسِمُ إِلَى أُصُولٍ وفُرُوع، وأنَّ هَذَا اصطِلَاحٌ حادِثٌ، لكنَّهُ يَنْقَسِمُ إِلَى أُصُولٍ عِلميَّةٍ، وأُصُولٍ عَمَليَّةٍ،


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٢٠/ ٢٠٣ - ٢٠٤)، وإعلام الموقعين لابن القيم (٢/ ١٨٥).

<<  <   >  >>