للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هَكَذَا جَاءَ فِي القُرآنِ. قَال: كَيفَ؟ قَال: إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣]. فأَحَالنَا فِيمَا لَا نَعْرِفُ عَلَى مَنْ يَعرِفُ، وهَذَا بيَانٌ، فلَمَ نَتحَيَّرُ الْآنَ فِي مَعرِفَةِ كَيفَ تُصنَعُ هذَا الطَّعَام؟ !

لَوْ قَال لنَا قَائِلٌ: القُرآنُ تِبْيَانٌ لكُلِّ شَيءٍ، فكَيفَ نَصنَعُ هَذَا التِّليفُونَ؟ هَلْ فِي القُرْآنِ وصْفٌ لصِنَاعَتِهِ؟ أينَ ذِكْرُهُ فِي القُرْآنِ؟

نقُوُل: الحمْدُ لله، اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى أَحَالنَا إِلَى سُؤَالِ مَنْ يَعرِفُ إِذَا كُنَّا لَا نَعْرِفُ، وهَذَا بيَانٌ، فلَم يُوقِفْنا مُتحيِّرينَ.

إذَنْ: في هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أن القُرآنَ مُبِينٌ لكُلِّ شيءٍ، ولكِنَّ القُرآنَ يَحتَاجُ إِلَى تَدبُّرٍ، وبدُونِ التَّدبُّر لَا يُمكِنُ أنْ تَهتَدِيَ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّكَ كُلَّما أَمعَنْتَ وتَعمَّقْتَ في تَدبُّرِ القُرآنِ فَتَحَ اللهُ لَكَ مِنْ أبْوابِ المعرِفَةِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ، وصِرْتَ تَستنْبِطُ مِنَ الْآيَة الواحِدَةِ مِنَ الأحكَامِ مَا لَا يَستنْبِطُهُ غَيرُكَ، فاحْرِصُوا عَلَى هَذَا التَّدبُّرِ.

الْآنَ -ولله المثَلُ الأَعْلَى- فِي كَمْ يَومًا خَلَقَ اللهُ السَّمواتِ والأَرضَ؟ ! لَوْ شَاءَ لخلَقَها فِي لحْظَةٍ {كُنْ فَيَكُونُ} لكِنَّه خلَقَها في سِتَّة أيَّامٍ، ليَعلَمُ العِبَادُ أن الإِتْقَانَ خَيرٌ مِنَ العَجَلَةِ، ولأَنَّ هَذَا الخَلْقَ لَهُ سُنَنٌ وقَواعِدُ وأسبَابٌ كَونيَّةٌ يَنتُج شَيئًا فشيئًا، فأَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُبيَّن للعِبَادِ أن المُهِمَّ هُوَ الإِتْقَانُ والإحكَامُ دُونَ السُّرعَةِ، ولَوْ أَرَادَ اللهُ لكَانَ فِي لحْظَةٍ.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن هَذَا القُرآنَ الَّذِي أَعجَزَ العَرَبَ مِنَ الحُرُوفِ الَّتِي يُركِّبُون مِنْهَا كَلَامَهُمْ وَمَعَ ذَلِكَ أَعجَزَهُم.

<<  <   >  >>