للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: بيَانُ معَالجَةِ الرُّسلِ عليهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ للمُكذِّبين، أنَّهُم يُدْلُون عليهِمْ بالحُججِ المُقنَعِة، ولكِنْ الكَافِرُون يُعانِدُون.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: جوَازُ التَّفضِيل بَينَ شَيئَين قَدْ لَا يَكُونُ فِي الطَّرفِ الآخَرِ شَيءٌ مِنَ المعْنَى، لقَولِهِ: {أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيهِ آبَاءَكُمْ}: {بِأَهْدَى} اسْمُ تَفْضِيلٍ، ومَعَ ذَلِكَ فإنَّا نَقُولُ: مَا وجَدُوا علَيهِ آباءَهُمْ لَيسَ فِيهِ هُدًى؛ لكنَّ التَّنزُّلَ مَعَ الخَصْمِ لَا بَأْسَ بِهِ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الطَّرَفِ الآخَرِ شَيءٌ.

وانْظُرْ إِلَى قوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {آللَّهُ خَيرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: ٥٩] {أَمَّا يُشْرِكُونَ} هَذ الأصْنَامَ، وهَلْ فِي الأصنَامِ خَيرٌ؟

لَا، لكِنْ مِنْ أَجْلِ مُجَادَلَةِ الخَصْمِ نَقُولُ لهم: هَلِ اللهُ خَيرٌ أَمْ آلهَتُكَ، وإنَّا نَعْلَمُ أنَّ آلهَتَهُ لَيسَ فِيهَا خَيرٌ؛ فهُنَا قَال: {أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيهِ آبَاءَكُمْ} نَعلَمُ أن مَا كَانَ عَلَيهِ آباؤُهُمْ لَيسَ فِيهِ هُدًى، بَلْ هُوَ ضَلَالٌ، ولكنَّنَا نُخَاطِبُ مَنْ يَرَى أنَّهُ هُدًى، فنُخاطِبُهُ عَلَى قَدْرِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الفَهْمِ.

ومنْ ذَلِكَ مَا يَستَعْمِلُهُ شَيخُ الإسلَامِ ابْنُ تيمِيَّةَ وغَيرُه مِنَ العُلمَاءِ رَحَمَهُم اللهُ فِي مُجَادَلَةِ أَهْلِ الكَلَامِ؛ حيثُ يَتمشَّى فِيمَا يُجادِلهُم بِهِ عَلَى حسَبِ اصطِلَاحِهِمْ وإِنْ كَانَ يُنكِر أصْلَ مَا هُمْ عَلَيه، لكِنَّ المُجادَلَةَ مَعَ الخَصْمِ لَا بَأْسَ أَنْ يَنزِلَ الإنسَانُ عَلَى حسَبِ فَهْمِ الخَصْمِ حتَّى يَكونَ ذَلِكَ أبلَغَ فِي الاحتِجَاجِ عَلَيهِ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن أُولئِكَ المُعانِدِينَ الَّذِين يَتَّبِعُون مَا وَجَدُوا عَلَيهِ آباءَهُمْ لَيسَ عنْدَهُم نِيَّةٌ فِي أَنْ يُؤمِنُوا، لأَنَّهُم لمَّا غُلِبُوا فِي الحُجَّةِ {قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ

<<  <   >  >>