للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آيَةٌ تُقْرَأُ، لَا يَشْعُر بأَنَّ المَعْنَى اهْدِني: عَلِّمْني ووفِّقْنِي للعَمَلِ، لَا يَشْعُرُ بهَذَا، لكِنِ استَشْعِرْ هَذَا الشَّيءَ حتَّى تَعْرِفَ عَلَى أيِّ شَيءٍ تُؤمِنُ.

مِثَالُ هِدَايةِ الدَّلالةِ وَحْدها: قَولُ اللهِ تبَارَكَ وَتَعَالى لنَبيِّه محُمَّد: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢] هَذِهِ هدَايَةُ دَلَالةٍ يَعْنِي: تَدُلُّ النَّاسَ إِلَى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ.

ومثَالُ هدَايَةِ التَّوفِيقِ قَولُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: ٥٦]، يَقُولُ للرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْنِي: لَنْ تُوفِّقَ أحَدًا لهِدَايَةٍ ولَوْ كُنْتَ تُحِبُّه؛ ولهَذَا حَاوَلَ النَّبيُّ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ حَضَرَ عمَّه أبَا طَالِبٍ وهُوَ فِي سِيَاقِ المَوْتِ، حَاوَلَ أَنْ يُوحِّدَ اللهَ ولَكِنْ عَجَزَ، قَال فِي سِياقِ المَوْتِ: "يَا عَمِّ قُلْ: لَا إِلَهَ إلا اللهُ. كلَمِةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ" وكَانَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ مِنْ قُرَيشٍ جَلِيسَا سُوْءٍ، فقَالا لأَبِي طَالِبٍ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ.

يَعْني: جَدَّه الَّذِي تَفتَخِرُ بِهِ قرَيشٌ، فكَانَ آخِرُ مَا قَال: هُوَ عَلَى مِلَّة عبْدِ المُطَّلبِ (١).

وأَبى أَنْ يقُولَ: لَا إِلَهَ إلا اللهُ.

فالهِدَايَةُ الَّتِي عجَزَ عنْهَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هِيَ هِدَايَةُ التَّوفِيقِ، أمَّا هِدَايَةُ الدَّلالةِ فقَد قَال: "قُلْ: لَا إِلَهَ إلا اللهُ".

وقَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَينَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: ١٧] مِنْ هِدَايَةِ الدَّلالةِ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب التفسير، باب قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، رقم (٤٧٧٢)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، رقم (٢٤)، من حديث المسيب بن حزن رَضَيَ اللهُ عَنْهُ.

<<  <   >  >>