تَعَامَى عَنْ ذِكْرِ الرَّحمَنِ فِي قَلبِهِ واستِحْضَارِهِ لعظَمَةِ رَبِّه وجلَالِهِ، فإِنَّه يُقيِّضُ لَهُ الشَّيطانَ، فيَكُونُ هَذَا جَزاءً عَلَى إعرَاضِهِ وتَعَامِيهِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ، وهَذَا كقَوْلِهِ تعَالى: {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} [الجن: ١٧].
فالصَّوابُ أن المُرادَ بذِكْرِ الرَّحمَنِ لَيسَ القُرآنَ، بَلِ المُرادُ بذِكْرِ الرَّحمَنِ ذِكْرُ اللهِ نفسِهِ. يَعْنِي: يَغْفُلُ قَلبُهُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، ولَا يَذكُرُ اللهَ بقَلْبِهِ، فهَذَا هُوَ الَّذِي يُقيَّض لَهُ الشَّيطانُ فيَتَّبعُ هَوَاهُ، كَمَا قَال عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.
فإنْ قَال قَائِلٌ: قَولُهُ: {وَمَنْ يَعْشُ} هَلْ هَذَا يَكُونُ بالتَّقصِير فِي أُمُورِ الطَّاعاتِ أَو انتِهَاكِ المُحرَّماتِ؟
فالجَوابُ: لَا، الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى مَسأَلةٍ قَلبيَّةٍ {وَمَنْ يَعْشُ} يَتَعَامَى. فإِذَا صَلَحَ القَلْبُ صَلَحَتِ الجَوارِحُ.
وقَولُهُ: {نُقَيِّضْ لَهُ شَيطَانًا} قَال رَحَمَهُ اللهُ: [نُسبِّبُ لَهُ] وهَذَا قَرِيبٌ مِنَ المعْنَى المُطابِقِ، وإلَّا فإِنَّ مَعْنَى {نُقَيِّضْ} أَي: نُهيِّئ لَهُ شَيطَانًا يَحُلُّ محَلَّ ذِكْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى فيَستَوْلِي الشَّيطانُ عَلَى قَلْبِهِ، والشَّيطانُ يَأمُرُ بالفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ، كَمَا قَال سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {الشَّيطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٦٨].
{نُقَيِّضْ لَهُ شَيطَانًا}: {فَهُوَ} أيِ: الشَّيطانَ {لَهُ} أيِ: للعَاشِي عَنْ ذِكْرِ اللهِ {قَرِينٌ} قَال رَحَمَهُ اللهُ: [لَا يُفارِقُه]، نَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ.
ووجْهُ ذَلِكَ: أن الإنسَانَ فعَّالٌ مُريدٌ مُتحرِّكٌ قلبًا وقالبًا، فلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشتَغِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute