للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لبَقيَّةِ الآيَاتِ، فلَا تَناسُبَ، فعَلَى كُلِّ حَالٍ: القَوْلُ الرَّاجِحُ المُتعيِّنُ أن أوَّلَ الفَاتِحَةِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ} وأنَّ البَسمَلَةَ ليسَتْ منْهَا كسَائِرِ السُّوَرِ.

فقِيلَ: البسملَةُ جملَةُ مَعمُولٍ مَجرُورٍ بالبَاءِ؛ لأَنَّ كُلَّ اسْمٍ مَجرُورٍ بالبَاءَ فإِنَّهُ مَعمُولٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. فلَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَامِلٍ محذُوفٍ، ولهَذَا قَال النَّاظِمُ:

لَا بُدَّ لِلْجَارِّ مِنَ التَّعَلُّقِ ... بِفِعْلٍ أوْ مَعْنَاهُ نَحْوَ مُرْتَقِي

البَسْملَةُ مَعمُولةٌ لعَامِلٍ مَحذُوفٍ، والقاعِدَة: كُلُّ اسْمٍ مَجرُورٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَامِلٍ، فأَينَ عَامِلُ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؟

نَقُولُ: العَامِلُ مَحذُوفٌ يُقدَّرُ فعْلًا مُتأخِّرًا مُناسِبًا للمَقَامِ {بِسْمِ اللَّهِ}؛ فإذَا أَرَدْنا أَنْ نَقْرَأَ فأَقُولُ: بسْمِ اللهِ. فقَدِّرِ العَامِلَ: (أَقْرَأُ)، فالتَّقدِيرُ (بِاسْمِ اللهِ أَقْرَأُ).

ولَوْ سأَلْتَ: لمَاذَا نُقَدِّره فعْلًا ولم نُقدِّرْه اسْمًا، فنَقُولُ: (باسمِ اللهِ قِرَاءَتِي)؟

فالجَوابُ: الأَصْلُ في العمَلِ الأفعَالُ؛ ولذَلِكَ لا تَجِدُ اسْمًا عامِلًا إلا بشُرُوطٍ.

وَدَليلُ ذَلِكَ أنَّهُ مَا مِنِ اسْمٍ يَكُونُ عَامِلًا إلا بشُرُوطٍ، لمَاذَا قَدَّرناهُ مُتأخِّرًا ولَمْ نَقُلْ: (أَقرَأُ باسْمِ اللهِ)؟

الجواب: لفَائِدَتَينِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: التَّبرُّك ببدَاءَةِ الكَلَامِ باسم الله تعالى.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: الحصْرُ، يعْنِي: باسْمِ اللهِ لَا باسْمِ غَيرِهِ؛ لأنَّهُ إذَا تَقَدَّم المَعمُولُ عَلَى العَامِلِ كَانَ ذَلِكَ دليلًا عَلَى الحصرِ، يَعْنِي: الاختِصَاصَ، فكَأَنَّ القَارِئَ يَقُولُ: باسْمِ اللهِ أَقرَأُ لَا باسْمِ غَيرِهِ.

<<  <   >  >>