للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإِنْ قِيل: سِيَاقُ الآيَاتِ الَّتِي فِيهَا: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣] إنَّما كَانَ فِي رسَالةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فهَلْ يَصِحُّ الاستِشْهَادُ بِهِ عَلَى العُمُومِ؟

فالجَوابُ: نعَمْ يَصِحُّ؛ لأَنَّ العِبرَةَ بعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّببِ.

فائدة: بعضُ النَّاسِ يَستَنْبِطُ مِنَ الآيَاتِ مَا لَا تَحتَمِلُهُ الآيَاتُ، أرَأيتُمْ أوَّلَ مَا خرَجَ وُصولُ البشَرِ إِلَى القَمَرِ -ولعَلَّهُ حصَلَ قَبْلَ أَنْ يُميِّزَ أكثَرُكُمْ، أكثرُكُمْ شَبَابٌ والحمْدُ لله- لمَّا حدَثَتْ هذِهِ الحَادِثَةُ وقَالُوا: إنَّ البَشَرَ وَصلُوا إِلَى القَمَرِ وأخذُوا منْهُ عيِّنةٌ وجَاؤُوا بهَا إِلَى الأَرْضِ وادَّعَوْا أنَّها مِنَ القَمَرِ، أحجَارٌ سودَاءُ رأَينَاها، قَال النَّاسُ: هَذَا مَوجُود في القُرآنِ، فاللهُ عَزَ وَجَلَّ يَقُولُ: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إلا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: ٣٣] أي: بعِلْمٍ، وهؤُلاءِ وَصَلُوا إِلَى أقطَارِ السَّمواتِ بالعِلْمِ، فقَالُوا: هذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى هَذَا.

لكِنَّ هَذَا التَّفسِيرَ محُرَّم، وقَولٌ عَلَى اللهِ، وكذِبٌ عَلَى اللهِ، فإنَّ الْآيَةَ في سِيَاقِ التَّحدِّي {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إلا بِسُلْطَانٍ}، ولا يُمكِنُ أَنْ يَتَحَدَّى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أحَدًا بِمَا يَستَطِيعُ، التَّحدِّي مَعنَاهُ أن المُخاطبَ لَا يَستَطِيعُ، هذِهِ وَاحِدَةٌ.

ثَانيًا: الْآيَةُ {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إلا بِسُلْطَانٍ} فبَدَأَ بالسَّمواتِ، فلَا يُمكِنُ لهؤُلاءِ أَنْ يَنفُذُوا مِنْ أقطَارِ السَّمواتِ، وإِذَا كَانَ أفضَلُ رَسُولٍ فِي البَشَرِ، وأفضَلُ رَسُولٍ فِي المَلَائكَةِ لَمْ يَدْخُلِ السَّماءَ الدُّنيَا إلَّا باستِفْتَاحٍ وإذْنٍ فكَيفَ بهَؤُلاءِ؟ !

فهؤُلاءِ إِنْ نفَذُوا مِنْ أقطَارِ الأَرْضِ لَمْ يَنفُذُوا مِنْ أقطَارِ السَّمواتِ.

<<  <   >  >>