للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالجَوابُ: لَا يُمكِنُ أَنْ يُعذَّبَ أحَدٌ عَلَى بَاطِلٍ إلَّا إِذَا كَانَ يَعلَمُ أنَّهُ بَاطِلٌ، فاللهُ عَزَ وَجَلَّ أَرحَمُ وأَحكَمُ مِنْ أَنْ يُعذِّبَ شَخْصًا وهُوَ لَا يَدْرِي، ولكِنْ هناك أُناسٌ مُعَانِدُون يُذكَر لهُمُ الحَقُّ وَيقُولُ: لَا، أنَّا أتَبعُ شَيخِي. حتَّى لَوْ كَانَ الَّذِي ذَكَرَ لَهُ الحَقَّ عَالمًا مَعرُوفًا يقُولُ: لَا، أتَّبعُ مَشَايخِي. فهَذَا لَا يُعذَرُ، لكِنْ لَوْ أَنَّ عَامِّيًّا أُعلِّمُه أن هَذَا العمَلَ لَا يجوزُ وهَذَا شِرْكٌ، ومشَايخُهُ كُلُّهُم يَقُولُونَ: هَذَا حسَنٌ. فهُوَ مَعذُورٌ، لأنَّهُ لَا يَثقُ، فلَمْ يَأتِ لَهُ الحَقُّ عَلَى وَجْهٍ يَثقُ بِهِ، فالْآنَ نَحْنُ العُلماءَ لَوْ جَاءَنَا إنسَانٌ عَلَى عَكْسِ مَا جَاءَ بِهِ عُلمَاؤُنَا ونحْنُ لَا نَعرِفُهُ مَا اتَّبعنَاهُ، لكِنْ قَدْ يُقَال: كَونُهُ أُعلِمَ بأنه عَلَى باطِلٍ وأنَّ الحَقُّ خلَافُهُ يُلزِمُه بأَنْ يَبْحَثَ ويَسْأَل، فَقَدْ يُؤَاخَذُ مِنْ هُنَا، أَي: مِنَ التَّقصِيرِ فِي طلَبِ الحَقِّ.

وإِذَا قَال قَائِلٌ: رَجُلٌ فِي الغَابَاتِ بَعِيدٌ عَنِ المُدُنِ، بَعِيدٌ عَنِ الحَضَارَاتِ، لكِنَّهُ ينْتَمِي إِلَى دِينِ كُفْرٍ، فهَلْ هَذَا مَعْذُورٌ؟

فالجَوابُ: أمَّا فِي أحْكَامِ الدُّنيَا فلَيسَ بمَعذُورٍ. يَعْنِي: أَنَّنا نُعامِلُه مُعاملَةَ الكَافِر؛ لأَنَّهُ لَا يَنتَمِي إِلَى دِينِ الإسْلَامِ، بخِلَافِ الأوَّلِ، نُعامِلُه فِي الدُّنيا مُعامَلَةَ الكَافِرِ، أمَّا فِي الآخِرَةِ فأَمْرُهُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى لَا نَدْرِي مَاذَا يَكُونُ، وقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيثِ: "أَنَّ أَهْلَ الْفَتْرَةِ يُرْسِلُ اللهُ إِلَيهِمْ رُسُلًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَمْتَحِنُهُمْ مَنْ أَطَاعَ دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصى دَخَلَ النَّارَ" (١).

فإِنْ قَال قَائِلٌ: عَلَى هَذَا القَوْلِ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الآخِرَةُ دَارَ تكلِيفٍ؟

فالجَوابُ: نعَمْ، نَلتزِمُ بهَذَا، وقَدْ دَلَّ القُرانُ عَلَى أن الآخِرَةَ دَارُ تكلِيفٍ؛ فقَال


(١) أخرجه بنحوه الإمام أحمد (٤/ ٢٤)، من حديث الأسود بن سريع - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>