للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الوصف الثاني التقدير: فإن قلنا الكفارة على التقدير فنعني بهذا أن الشرع قدر البدل المعدول إليه ترتيباً أو تخييراً، لا نريد على ذلك ولا ننقص.

ففي المثال السابق في ترك أمرٍ واجب من واجبات الحج تقع الكفارة على الترتيب والتقدير؛ لأن الشاة قدّرها ربّ العزة، فهي تقديرية؛ ثم لأنه جعلها في المقام الأول لا تترك إلى الصيام إلّا عند العجز فهي ترتيبية.

وصف التقدير يقابله التعديل، فإن قلنا الكفارة، على التعديل. فنعني به، أنه أمر يرجه فيه إلى تقويم العدول أصحاب الثقة والخبرة يعدّلونه ويحددون قيمته.

مثاله الإحصار فكفارته على الترتيب والتعديل فمن أحصر، بأن منعه عدو من إتمام النسك وهو محرم وجب في حقه شاة أولاً على الترتيب لا يصار إلى غيرها إلّا بالعجز، فإن لم يستطع انتقل إلى التعديل وهو إطعام بقيمة الشاة، فهو بحاجة إلى غيره لتقويم كم تساوي الشاة؟ وكم يشتري طعاماً بثمنها ليوزعه على الفقراء.

إذا علمت هذا بدأت معك في دراسة دماء الكفارات، وما يقوم مقامها، مبيناً أنها محصورة في خمسة أقسام:

القسم الأول: مثاله ما سرده لنا الإمام العمريطي في الأبيات السابقة وهو الدم المرتب المقدّر وهو الواقع كفارة على ترك الواجب من الواجبات التي سبق ذكرها (١) والتي نقلها لنا مجتمعة العلامة الشافعي إبراهيم الباجوري فيما نظمه ابن


(١) الواجب هو ما يطلب فعله من الحاج لزوماً بحيث يحرم تركه، لكن ليس إلى الحد الذي يفسد به الحج، بل إلى الدرجة التي يكون فيها الحاج مسيئاً وآثماً؛ لأن الشارع الحكيم أقام ذبح شاة على هذا التقصير جبراً للنقص الحادث بهذا الترك، واستدراكاً للخلل. اللهمّ! إلّا إذا بَرَزَ باعث الترك على أرض العذر المعتبر شرعاً، وذلك كمن ترك المبيت في المزدلفة بسبب اشتغاله بالوقوف بعرفة، أو بالازدحام وقت النفرة من عرفات بحيث مضت ساعاتُ ليل مزدلفة وهولا يزال في أرض عرفة، أوفي الطريق الموصل منها إلى المزدلفة دون أن يدرك طلائع حدودها.
ومثله المبيت بمنى فيما لو تركه أصحاب الأعذار كأهل السقاية، أومن به ضعف جسدي لا يتماسك معه صاحبه فوق أرض منى، أو خوفاً من ضياع مريض لا متعهد له، أومن موت قريب في غيبته أو خوفاً على نفس أو مال أو ...
ومن الأعذار التي نص عليها الحنفية في مذهبهم خاصة ترك المشي في الطواف، وفي السعي لمرض أو كبر سن، فإنه يجوز في هذه الصورة أن يطوف ويسعى محمولاً ولا فداء عليه.

<<  <   >  >>