الحمد لله ذي الجلال والإكرام، والفضل والطَّول والإنعام، الذي هدانا للإسلام، وعرفنا على الشرائع والأحكام، وجعل منها جسراً لسعادة أصحاب الإيمان، وجعل من ذلك قاعدة مطردة في الدنيا والأُخرى على الدوام، والذي أكرمنا بأركان الإسلام وبسط من التوحيد أساساً متيناً استندت إليه كل الأقسام، ورفع الركن الأول في هذا الصرح العظيم بالصلاة لتكون هاتف الوصل مع ربِّ العالمين من قبل كل الأنام، ورفع الركن الثاني بعبادة مالية تسري بالتراحم والتعاضد بين أبناء الإسلام، ورفع الركن الثالث بالصيام لله تعالى، الذي يجزي به كل من أخلص القصد للديّان، ثم رفع الركن الرابع بالحج إلى بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلاً فجمع فيه سائر مقاصد القرآن.
لهذا فإن حزم الأمتعة صوب دار الإسلام الأولى، ونحو جذور التوحيد الراسخة ـ حيث أصولها وعبق رجالها هناك ـ هي أحد أركان الدين، ومن أجل القربات لرب العالمين، لأنها دعوة السماء إلى مائدة الرحمن في بيته العتيق الذي أقامه فوق هذه الأرض؛ ولأنها شعار كافة الرسل والأنبياء؛ ولأن نفحات الله في دنيا الناس تنال مكة منها النصيب الوافر، ولربما كانت جميعها تنزل هناك، ومن ثَمّ تقسم أرزاقها على العباد في أنحاء الأرض، تأخذ كل بقعة حصّتها القادمة إليها من بيت العزة والجبروت، بيت الله الحرام.