للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لذلك قال الإمام القرطبي: نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأْن الحديبية من أولها إلى آخرها (١).

لهذا الذي سبق ذكره ذهب بعض علماء الشافعية إلى تقديمها على التنعيم. قال العلامة ابن حجر الهيتمي: ومن ثمة قدمها الشيخ أبو حامد على التنعيم، وعليه فأُجيب بأنّ الأمر باعتمار عائشة منه إنما كان لضيق الوقت (٢).

ولبالغ الأهمية الذي يتربّع عليه ميقات الحديبية في منعطفٍ بارز من تاريخنا الإسلامي، فإنني أتوقف عند أهم المحطات التي لوّنت تلك البقعة التي شرفت بمزيد من الفضل بحلول النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بها معتمراً، مستقبلاً وحي ربه، لهذا أقول:

صلح الحديبية جرى في شهر ذي القعدة، آخر سنة ست للهجرة. تعود أسبابه إلى شوق المسلمين الذي جاش في قلوبهم إلى مكة المكرمة، ونفحاتها الإيمانية، حتى إذا سنحت الفرصة وأذن الله أعلن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الملأ أنه متوجه إلى مكة معتمراً، فما لبث أن تبعه جمع غفير من المهاجرين والأنصار، وسائر إخوانهم من المسلمين (٣)، الذين كانوا خيرَ أهل الأرض آنذاك (٤)، وبلغوا


(١) الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله القرطبي جـ ١٦ ص ٢٢١.
(٢) الحاشية لابن حجر ص ٤٢٤.
(٣) في صحيح البخاري في كتاب المغازي برقم (٤١٥٥) بترقيم أحاديث فتح الباري: وكانت أسلمُ ثُمْنَ المهاجرين.
(٤) جاء في صحيح البخاري في كتاب المغازي برقم (٤١٥٤) بترقيم أحاديث فتح الباري قال عمرو: سمعت
جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية: «أنتم خيرُ أهل الأرض. وكنا ألفاً وأربعمائة». قال الإمام ابن حجر العسقلاني في شرح صحيح البخاري: هذا صريح في فضل أصحاب الشجرة، فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة وبغيرهما، وعند أحمد بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري قال: لما كان بالحديبية قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: لا توقدوا ناراً بليل، فلما كان بعد ذلك قال: أوقدوا واصطنعوا فإنه لا يدرك قومٌ بَعْدَكم صاعكم ولا مدّكم. وعند مسلم من حديث جابر مرفوعاً: لا يدخل النار مَن شهد بدراً والحديبية، وروى مسلم أيضاً من حديث أم مبشر أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة. وتمسك به بعض الشيعة في تفضيل عليٍّ على عثمان؛ لأن علياً كان من جملة من خوطب بذلك، وممّن بايع تحت الشجرة، وكان عثمان حينئذ غائباً كما تقدم في المناقب من حديث ابن عمر، لكن تقدم في حديث ابن عمر المذكور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بايع عنه فاستوى معهم عثمان في الخيرية، ولم يقصد في الحديث إلى تفضيل بعضهم إلى بعض، .... انظر فتح الباري جـ ٧ صـ ٥٥٢ - ٥٥٣.

<<  <   >  >>