معناه أنهم لا يكون لهم التخلّص من النار، ولا دخول الجنة، ويجوز أن يخفف عنهم من العذاب الذى يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم ثمّ سوى الكفر، بما عملوه من الخيرات. والذى قاله القاضى عياض:[انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم، ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب، وإن كان بعضهم أشد عذابا من بعض. قال الحافظ: وهذا لا يردّ الاحتمال الذى ذكره البيهقي؛ فإن جميع ما ورد من ذلك فيما يتعلق بذنب الكفر، وأمّا ذنب غير الكفر، فما المانع من تخفيفه؟] وقال القرطبي: [هذا التخفيف خاصّ بهذا، وبمن ورد النص فيه] ، وقال ابن المنيّر:[هما فضيلتان إحداهما محال، وهى اعتبار طاعة الكافر مع كفره؛ لأن شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح، وهذا مفقود من الكافر، وإثبات ثواب على بعض الأعمال: تفضل من الله تعالى، وهذا لا يحيله العقل، فإذا تقرر ذلك لم يكن عتق أبى لهب لثويبة قربة معتبرة، ويجوز أن يتفضل الله عليه بما شاء كما تفضل على أبى طالب، والمتبّع في ذلك التوقيف نفيا وإثباتا قال الحافظ: فوقوع التفضيل المذكور إنما هو إكرام لمن وقع البرّ من الكافر لأجله، وهو النبى صلّى الله عليه وسلّم] انتهي.
قال ابن الجوزي: فإذا كان هذا حال أبى لهب الذى مات على دين قومه، ونزل القران بذمه: جوزي بعد موته جزاء بفرحه بمولد محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ فما حال المسلم المواحد من أمته يفرح ويسرّ بمولده صلّى الله عليه وسلّم، ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته صلّى الله عليه وسلّم من الصدقات لعمرى إنما يكون جزاؤه من المولى الكريم أن يدخله بفضله وكرمه جنات النعيم.
ولله درّ حافظ الشام: شمس الدين محمد بن ناصر الدمشقي، حيث قال:
إذا كان هذا كافرا جاء ذمّه ... وتبّت يداه في الجحيم مخلّدا
أتي أنه في يوم الاثنين دائما ... يخفّف عنه للسرور بأحمدا
فما الظنّ بالعبد الذي كان عمره ... بأحمد مسرورا؛ ومات موحّدا
مات أبو لهب بداء «العدسة» فى مكة على دين قومه بعد بدر بسبعة أيام، وكان قد بلغه خبر بدر ولم يشهدها.
والعدسة: بثر كانت تخرج على الناس، تزعم العرب أنها تعدي، شبيهة بالطاعون.