الفصل الثانى فى ذكر عمل مولده الشريف، وإشهاره كلّ سنة وفيما جرى في مولده وفيما بعده من الوقائع
فى الأخبار المشهورة أن الليلة التي ولد فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ارتجّ إيوان «١» كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرّافة إشارة إلى أنه لم يبق من ملوكهم المستبدين بالملك إلا أربعة عشر ملكا؛ فهلك عشرة في أربع سنين، وهلك أربعة إلى زمن عثمان رضى الله عنه، وزال ملكهم بالكلية. ورأى في تلك الليلة أنوشروان رؤيا أفزعته، فجمع الكهنة والسحرة والمنجمين فقصها عليهم، فدلّوه على (سطيح) الكاهن ليعبرها له، وكان مشهورا بالكهانة، فأرسل كسرى إليه وزيره، وكان سطيح يخرجه قومه على رأس كل سنة مستلقيا، فيتكلم بأحكام السنة الاتية، فلمّا خرج بدأ الكلام بالرؤيا قبل القصّ عليه، فقال:«إن كسرى رأى رؤيا هالته، رأى خيولا عربية ملأت مدينته، تسوق إبل العراق وتخرجها من البلاد؛ فالخيول العربية أصحاب النبى القرشى الهاشمى المكيّ المدنيّ الخاتم، الذى يختم الله به الأنبياء، ويأتيه الوحى من الملك الواحد الأحد الفرد الصمد، وسيفتح له البلاد والمدائن بالعراقين وغيرهما، على عدد شرّافات بقين من الإيوان حين سقوطه ليلة ميلاده، الحذر الحذر من مخالفته، من كل من وصل إلى زمن دعوته!» ثم بكى سطيح وقال: «ما بقي من عمرى إلا قليل، لا أدرك بعثة النبى الجليل» قال: فرجع وزير كسرى القهقري، فأخبر الملك بما أخبر به سطيح، فوقع ما قال مما قدّره القادر المتعال.
[[الاحتفال بالمولد] :]
وقد سبق لنا في الفصل الأوّل من الباب الأوّل: أن (ثويبة) جارية أبى لهب لمّا بشّرته بولادته صلّى الله عليه وسلّم أعتقها عتقا منجزا، ثم جعلها ترضعه بعد ولادته أياما، فخفّف الله عنه العذاب كل يوم اثنين الذى هو يوم مولده، ولعل تخفيف عذابه
(١) الإيوان: مجلس كبير على هيئة صفّة واسعة، لها سقف محمول من الأمام على عقد يجلس فيها كبار القوم.