وقوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ لفظة استفهام «١» ، ومعناه الأمر، أى انتهوا، وهذا من أبلغ ما ينهى به؛ لأنه تعالى ذم الخمر والميسر وأظهر قبحهما للمخاطبين، كأنه قيل: قد تلى عليكم فيها من أنواع الصوارف والموانع، فهل أنتم منتهون مع هذه الأمور؟ أم أنتم على ما كنتم عليه، كأنكم لم توعظوا، أولم تنزجروا؟
وفي هذه الاية دليل على تحريم شرب الخمر؛ لأن الله تعالى قرن شرب الخمر والميسر بعبادة الأصنام، وعدّد أنواع المفاسد الحاصلة بهما، ووعد بالفلاح عند اجتنابهما، وقال في اخر الاية: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ومعناه الأمر.
وقال بعضهم: الحكمة في وقوع التحريم على هذا الترتيب: أن القوم كانوا ألفوا شرب الخمر، وكان انتفاعهم به كثيرا، فعلم الله تعالى أنه لو منعهم دفعة واحدة لشقّ عليهم، فاستعمل في التحريم هذا التدريج والرفق.
[غزوة بنى النضير:]
وسبب تلك الغزوة- على بنى النضير- أنه صلّى الله عليه وسلّم ذهب إليهم ليستعين بهم في دية رجلين من بنى كلاب بن ربيعة- موادعين له- كان عمرو بن أمية الضمرى قتلهما غلطا في رجوعه من بئر معونة، ظانا أنهما حربيان، وكان النبى صلّى الله عليه وسلّم عقد لهما أمانا، ولم يشعر به ضمرة، وكان صلّى الله عليه وسلّم قد تعاهد مع بنى النضير على ترك القتال، وعلى أن يعينوه في الديات، فحضر إليهم، وكان معه من أصحابه جماعة دون العشرة، منهم أبو بكر، وعمر، وأسيد بن حضير، فأجلسوهم بجانب دار من بيوتهم، وأرادوا الغدر به صلّى الله عليه وسلّم، وأمروا أن يصعد رجل إلى الجدار ويلقى عليه رحّي، فلما علم ذلك انصرف عنهم إلى المدينة حيث كان ذلك منهم نقضا للعهد، وأرسل إليهم أن اخرجوا من بلدي؛ لأن ضياعهم كانت من أعمال المدينة، فأبوا الخروج وأذنوا بالمحاربة، فتجهّز إليهم وغزاهم وحاصرهم في ربيع الأوّل، وبعد مضيّ ليال من الحصار سألوه صلّى الله عليه وسلّم أن يجليهم
(١) الاستفهام هنا تقريع وزجر في غاية القوة، إذ معناه، والله تعالى أعلم: هل أنتم منتهون أو أنزل عليكم الدواهى والقوارع، ولذلك لما سمعها عمر رضى الله عنه فزع منها وقال: انتهينا يا رب (ثلاث مرات) .