للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال البيهقى رحمه الله: ولهذا يذكره بعضهم عند مقدمه صلّى الله عليه وسلّم المدينة من مكة «١» لا أنه عند مقدمه المدينة من تبوك.

هذا كلامه، ولا مانع من تعدد ذلك.

واحتمل أبو أيوب (خالد بن زيد الأنصارى رضى الله عنه) رحله بإذنه صلّى الله عليه وسلّم، وأدخله بيته ومعه زيد بن حارثة، وكانت دار بنى النجار أوسط دور الأنصار وأفضلها، وهم أخوال عبد المطلب جدّ النبى صلّى الله عليه وسلّم، وأراده قوم في النزول عليهم، فقال: «المرء مع رحله» فأقام صلّى الله عليه وسلّم عند أبى أيوب حتّى بنى مسجده ومساكنه، وكان بناؤه من اخر ربيع الأوّل إلى شهر صفر من السنة القابلة، أى وذلك اثنا عشر شهرا، وقيل: مكث ببيت أبى أيوب سبعة أشهر، وكان قبله يصلى حيث أدركته الصلاة، وبناه هو والمهاجرون والأنصار رضوان الله عليهم أجمعين، وكان موضع المسجد مربدا- أى محلا لتجفيف التمر- لسهل وسهيل ابنى عمرو (يتيمين في حجر أسعد بن زرارة أو معاذ بن عفراء) فدعا الغلامين فساومهما المريد ليتخذه مسجدا فقالا: لا، بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى أن يقبله منهما هبة حتّى ابتاعه منهما بعشرة دنانير أدّاها من مال أبى بكر الصديق رضى الله عنه، ولعل إطلاق اليتم عليهما باعتبار ما كان ان صدور البيع منهما، وقيل: بل كان الموضع لبنى النجار، وكان فيه قبور المشركين وخرب ونخل، فأراد النبى صلّى الله عليه وسلّم أن يشتريه من بنى النجار، فقال لهم: «ثامنونى حائطكم، فقالوا: لا نطلب ثمنه إلا إلى الله» فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسوّيت، وبالنخل فقطع، فصفّوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتاه* حجارة، ثم بناه باللّبن، وسقفه بالجريد، وجعل عمده من خشب النخل «٢» .

[مسألة: الرسول صلّى الله عليه وسلّم والشّعر]

وكان صلّى الله عليه وسلّم ينقل اللّبن** معهم في ردائه حتّى اغبرّ صدره الشريف، وصار يقول:

هذا الجمال لا جمال خيبر ... هذا أبرّ- ربّنا- وأطهر


(١) وهو الحق الذى لا ريب فيه.
(٢) قال عليه الصلاة والسلام: «عريشا كعريش موسى، وخشيبات، والأمر أعجل من ذلك» (رواه المخلّص في فوائده، وابن النجار عن أبى الدرداء) .
* الصواب: عضادتيه.
** أى الطوب اللبن.