للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البدعة هي» «١» وليس ذلك مذموما بمجرد لفظ محدث أو بدعة؛ فإن القران باعتبار لفظه وإنزاله وصف بالمحدث أوّل سورة الأنبياء «٢» ، وإنما منشأ الذم ما اقترن به من مخالفة السنّة ودعايته إلى الضلالة.

[والبدعة من حيث هى منقسمة إلى خمسة أقسام:]

[واجب:]

وهو ما تناولته قواعد الوجوب وأدلّته من الشرع، كتدوين القران والشرائع إذا خيف عليها الضياع؛ فإن التبليغ لمن بعدنا من القرون واجب إجماعا، وإهمال ذلك حرام إجماعا، زاد بعض المتأخرين: ومن البدع الواجبة علي الكفاية الاشتغال بالعلوم العربية المتوقف عليها فهم الكتاب والسنة، كالنحو والصرف والمعانى والبيان واللغة، بخلاف العروض والقوافي ونحوهما، وكالجرح والتعديل، وتمييز صحيح الأحاديث من سقيمها، وتدوين نحو الفقه وأصوله والاته، والرد على نحو القدرية والجبرية والمرجئة والمجسمة؛ لأن حفظ الشريعة فرض كفاية فيما زاد علي المتعين، كما دلّت عليه القواعد الشرعية، ولا يتأتّى حفظها إلا بذلك، وما لا يتم الواجب المطلق إلا به فهو واجب.

[وحرام:]

وهو كل بدعة تناولتها قواعد التحريم وأدلته من الشريعة، كالمحدثات من المظالم التى اخترعتها الأهواء بغيا، ولا ينبغى أن تلتبس هذه البدع بالحقوق التى تقرّرها الحكام على الرعايا بمقتضيات الأحوال عند تعطيل أموال الزكاة لإقامة شعائر الممالك. زاد بعضهم من البدع المحرمة: الاشتغال بمذاهب سائر أهل البدع المخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة.

[ومندوب إليه:]

وهو ما تناولته قواعد النّدب وأدلته كصلاة التراويح، وإقامة أبّهة الأئمة والقضاة والحكام، على خلاف ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم، بسبب أن المصالح والمقاصد الشرعية لا تحصل إلا بعظمة الولاة في نفوس الناس، وكان تعظيم الناس في زمن الصحابة رضوان الله عليهم إنما هو بالدين وسابق الهجرة، ثم اختل النظام وذهب ذلك القرن، وحدثت قرون أخر، لا


(١) كان الصحابة يصلّون التراويح متفرقين، كل جماعة اتخذوا لهم إماما يصلّى بهم، فقال: «أراهم اتخذوا القران مغاني، والله لأجمعنهم على إمام واحد» ، فلما جمعهم وراهم قال ذلك.
(٢) قوله تعالى: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأنبياء: ٢] .