للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جهل وغيره من الكفار يبصرونه وينظرون إليه، كمال النظر، ولم ينجوا، بل ماتوا على الكفر؟! فأجابه الشيخ- قدّس سرّه- بأنّ هؤلاء كانوا لا يبصرون تلك الحضرة، بل كانوا يبصرون محمد بن عبد الله، وينظرون إليه بالنظر إلى أنه رجل من بنى ادم، حتى لو كانوا أبصروه بوصف كونه محمدا رسول الله لفازوا بالسعادات ونجوا من الشبهات وتنحوا عن الضلالات، ومصداق ذلك قوله جل ذكره: وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [الأعراف: ١٩٨] وتحقيق ذلك أن الجثة الإنسانية والصورة البشرية الجسمانية يشترك فيها الأنبياء والأولياء والعلماء، وتستوى فيها الخاصة والعامة، وإنما الذى يناط به مراتب الرجال، ويظهر تفاوت الأقدار هو المعانى والكمالات الحاصلة للإنسان، مع تفاوتها وتكثّرها المتعلقة بالقرب الإلهي، ولا يعرف صاحب هذه الأوصاف إلا الكاملون، فمن غرق في بحار الضلالات وانغمس في تيه الجهالات كيف يعرف كنه المتصف بصفات الكمالات؟!

فكيف يدرك في الدنيا حقيقته ... قوم نيام تسلّوا عنه بالحلم!

[اهـ.]

* [اشتداد الأذى عليه صلّى الله عليه وسلّم] :

فغير الاستمرار على الإيذاء لجسمه الشريف تعرضوا دائما لرميه بالسحر والكهانة والجنون، بعد ما سبق منهم قبل النبوة أنهم كانوا ينظرون إليه نظر كمال وإجلال، حتى سموه بالأمين قبل النبوة، واشتهر عندهم بهذا العنوان، ولم يجربوا عليه بعد إشهاره بذلك خللا ولا نقصا؛ فتناقض أمرهم فيه، واختل اعتقادهم بعد النبوة لعمى بصيرتهم، ورجعوا وصفوه بالجنون مثلا، ولم يكن لهم شبهة في ذلك إلا ما رأوه منه عند نزول الوحى من الاستغراق لتلقّيه، ومن خمرة الوجه وكثرة الغطيط، فعميت قلوبهم عن إدراك الفرق بين حالة نزول الملك وحالة الجنون، مما لا يخفى على أدنى عاقل، فكانوا ينظرونه كأنه رجل من بنى ادم، ولا يلتفتون إلى أمانته ولا إلى وصف النبوة.

فالمبالغة في أذى قريش للمسلمين هى التى أوجبت الهجرة إلى الحبشة مرتين، كما أن المبالغة- خصوصا في إيذائه- صلّى الله عليه وسلّم- هى التى أوجبت الخروج إلى الطائف ثم الهجرة إلى المدينة.