للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعظّمون إلا بالصور، فتعيّن تفخيم الصور حتّى تحصل المصالح، وقد كان عمر رضى الله عنه يأكل خبز الشعير والملح، ويفرض لعامله نصف شاة في كل يوم، لعلمه بأن الحالة التى هو عليها لو عملها غيره لهان في نفوس الناس، ولم يحترموه، وتجاسروا عليه بالمخالفة؛ فاحتاج إلى أن يضع غيره في صورة أخرى لحفظ النّظام، ولذلك لما قدم الشام ووجد معاوية بن أبى سفيان قد اتخذ الحجّاب وأرخى الحجاب، واتخذ المراكب النفيسة والثياب الهائلة العليّة، وسلك ما يسلكه الملوك، سأله عن ذلك، فقال له: إنّا بأرض نحن فيها محتاجون لهذا، فقال له: «لا امرك ولا أنهاك» ، ومعناه أنت أعلم بحالك، هل أنت محتاج إلى هذا، فيكون حسنا أو غير محتاج إليه فلا يسوغ لك التخلّق به؟ فدلّ ذلك من عمر رضى الله عنه وغيره على أن أحوال الأئمة وولاة الأمور تختلف باختلاف الأمصار والأعصار والقرون والأحوال، فكذلك يحتاجون إلى تجديد زخارف وسياسات لم تكن قديما، وربما وجبت في بعض الأحوال. زاد بعض المتأخرين:

ومن البدع المندوبة إحداث نحو الرّبط والمدارس، وكل إحسان لم يعهد في العصر الأوّل، والكلام على دقائق التصوّف والجدل، وجمع المحافل، والاستدلال فى المسائل العلمية إن قصد بذلك وجه الله تعالى.

[ومكروه:]

وهو ما تناولته أدلة الكراهة من الشريعة وقواعدها، كتخصيص الأيام الفاضلة أو غيرها بنوع من العبادة، وكذلك في الصحيح* خرّجه مسلم وغيره أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن تخصيص يوم الجمعة بصيام أو ليلتها بقيام، ومن هذا الباب الزيادة في المندوبات المحدودات، كما ورد في التسبيح عقب الفريضة ثلاثة وثلاثين، فيفعل مائة، وورد صاع في زكاة الفطر فيجعله عشرة أصوع، بسبب أن الزيادة فيها إظهار الاستظهار على الشارع، وقلة أدب معه «١» ، بل شأن العظماء إذا حدّدوا شيئا وقف عنده وعدّ الخروج عنه قلة أدب، والزيادة في الواجب أو عليه أشد في المنع؛ لأنه يؤدى إلى أن يعتقد أن الواجب هو الأصل


* أى الحديث صحيح.
(١) لأن الشارع كريم ورحيم، فكأن الفاعل لذلك يقول بلسان حاله: أنا أكرم من الله. تعالى الله عن ذلك، وكذلك في كل ما حدّده الشارع: لا تجوز الزيادة فيه ولا النقصان عنه، لأنه ورد بنص صريح، والله تعالى أرحم بعباده من أنفسهم.