[الفصل الثالث فى زواجه بخديجة بنت خويلد رضى الله تعالى عنها وما رزقه الله من الذرية منها]
ولما كانت خديجة رضى الله تعالى عنها رئيسة شريفة، وهى يومئذ من أزكى قريش نسبا وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا، كان كلّ من قومها حريصا على الزواج بها لو يقدر عليه، إلا أنها اجتمعت به صلّى الله عليه وسلّم وقالت له: «يا ابن العم إنى قد رغبت فيك لقرابتى منك وشرفك في قومك وأمانتك فيهم وحسن خلقك وصدق حديثك، فاخطبنى من عمى عمرو بن أسد (وكان شيخا كبيرا) . فذكر صلّى الله عليه وسلّم ذلك لأعمامه، فخرج معه حمزة بن عبد المطلب حتّى دخل على عمرو بن أسد فخطبها إليه، فقبل، فأمرت بشاة فذبحت واتخذت طعاما ودعت عمّها عمرا، وبعثت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتى ومعه حمزة بن عبد المطلب وأبو طالب، ورؤساء مضر، فأكلوا، فخطب أبو طالب فقال: «الحمد (الذى جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضيء (أى أصل) معدّ، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته وشوكة حرمه، وجعل لنا بيتا محفوظا وحرما امنا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل إلا رجح، وإن كان في المال قلّ، فالمال ظلّ زائل وأمر حائل، ومحمد ممن قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصداق ما اجله وعاجله كذا من مالي، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل جسيم» . فتروجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقال في المنتقي:«فلما أتم أبو طالب خطبته تكلم ورقة بن نوفل «١» فقال:
«الحمد لله الذى جعلنا كما ذكرت، وفضّلنا على ما عددت، فنحن سادة العرب وقادتها، وأنتم أهل ذلك كله، لا تنكر العشيرة فضلكم، ولا يردّ أحد من الناس فخركم وشرفكم، وقد رغبنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم فاشهدوا عليّ معاشر قريش، بأنّى قد زوّجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله على أربعمائة
(١) ورقة هذا هو الذى قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تسبّوا ورقة بن نوفل فإني قد رأيت له جنة (أو جنتين) » رواه الحاكم وابن عساكر عن عائشة رضى الله عنها.