للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسبب إسلام حمزة أن النبى صلّى الله عليه وسلّم كان عند الصفا، فمرّ به أبو جهل بن هشام، فشتم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يكلمه، وكان حمزة في القنص*، وكان على دين قومه، فلما حضر أنبأته مولاة لعبد الله بن جدعان بشتم أبى جهل لابن أخيه صلّى الله عليه وسلّم، فغضب حمزة وقصد البيت ليطوف به وهو متوشح قوسه، فوجد أبا جهل بن هشام قاعدا مع جماعة، فضربه حمزة بالقوس فشجه، ثم قال: «أتشتم محمدا؟! أنا على دينه» . فكان إسلامه ببركته صلّى الله عليه وسلّم، فقامت رجال من بنى مخزوم لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل: دعوه فإني سببت ابن أخيه سبّا قبيحا. ودام حمزة على إسلامه، وعلمت قريش أن النبى صلّى الله عليه وسلّم قد عزّ وامتنع بإسلام حمزة، فكفّوا عن بعض ما كانوا يتناولون منه، وبقيت عداوتهم له، وكانوا يسمونه صابئا؛ لكونه خرج عن دين قومه؛ لأن الصابيء عند العرب من مال عن دين قومه إلى غيره.

حكى ابن الجوزى في بعض مجالس وعظه فقال: «ما خلق الله رئيسا في الخير إلا وله مقابل من أهل الشر: خلق الله ادم وإبليس، والخليل والنمروذ «١» ، وموسى وفرعون، ومحمدا صلّى الله عليه وسلّم وأبا جهل، وهكذا أبدا» .

وكانت كنية أبى جهل أبا الحكم، فكناه النبى صلّى الله عليه وسلّم أبا جهل، وهو عمرو بن هشام، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «إن لكل أمة فرعونا، وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل» «٢» .

ويحكى بمناسبة ذلك أن السلطان محمود الأوّل «٣» الغازى ذهب إلى قطب الأقطاب أبى الحسن الخرقاني «٤» ليزوره، فقال: حدّثنا حديثا عن أبى يزيد (٥) لنسمعه منك، فقال الشيخ: كان أبو يزيد رجلا من أبصره نجا، ومن نظر إليه اهتدي، فقال السلطان محمود: أهو أعظم من حضرة محمد صلّى الله عليه وسلّم؟! فقد كان أبو


(١) الخليل: هو إبراهيم عليه السلام، والنمروذ: هو الفرعون الذى حاج إبراهيم في ربه.
* رحلة صيد.
(٢) وعن قتادة قال: إن لكل أمة فرعونا، وفرعون هذه الأمة أبو جهل قتله الله شر قتله» . السيرة الحلبية ص ١٨٤ ج ٢.
(٣) أحد سلاطين العثمانيين، ولد ١١٠٨ هـ، ١٦٩٦ م وتوفى ١١٦٨ هـ، ١٧٥٤ م حكم ٢٥ سنة واتصف بالعدل وكثرة الفتوحات، وكان محبا للعلم.
(٤) كلاهما من أولياء الله الصالحين.